حسن علي القحطاني

الجزائر ونصف الانتصار

السبت - 06 أبريل 2019

Sat - 06 Apr 2019

بعد عشرين عاما تفيق الجزائر بدون الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، ذلك الرمز التاريخي الأخير في السلطة، وبعد أن كان مرشح الإجماع الوطني في 1999 كاد أن يكون في 2019 حاكما لولاية خامسة بلا حكم، إلا أنه أدرك أن إرادة الشعب الجزائري الشقيق لا تهزم، ومهما ارتبكت صفوفه أو تفرقت كلمته فما أسرع عودته بوعي أكبر وزخم أعظم، حاملا رياحا وأمواجا للتغيير بفكر لا يموت، تجسدها حرية الإنسان وكرامته.

فبعد ستة أسابيع تمكن الجزائريون من تحقيق مطلب تنحي بوتفليقة عن كرسي الرئاسة، ليرمي الكرة في ملعب الجيش الذي يحاول ضبط الإيقاع بين رئيس مجلس الأمة السيد عبدالقادر بن صالح المكلف وجوبا برئاسة الدولة بعد شغورها، وبين الشعب الذي يراه من رموز النظام القديم ولا بد أن يرحل معه، وفي نفس سياق الزمان ولو كان متأخرا، أو في نفس المكان الضيق الذي خرج منه بوتفليقة مكرها، فأكثرهم لا يرى مجالا للصبر على استمرار السنوات العجاف الأخيرة التي عطل الفساد خلالها مشاريع التنمية وبعثر تقدم مؤسسات البلاد رغم ثرواتها العظيمة.

خرج الجزائريون يبحثون عن جزائر أخرى، غير جزائر بوتفليقة، قالوا كلمتهم بمظاهرات سلمية في بلد يجرم التظاهر منذ سنوات، فحقق الشارع نصف الانتصار والنصف الآخر مرهون ببقاء أو رحيل الرموز المحسوبة على النظام التي لا تزال في الواجهة، والتي تؤكد مواقف الجزائريين أن لا عودة دون رحيلهم.

قبل كل هذا كانت هناك معركة إلى الرمق الأخير - كما سمتها وسائل الإعلام الجزائرية - استعمل فيها محيط الجناح الرئاسي المناورات السياسية لكسب مزيد من الوقت للخروج بأقل الخسائر وأعلى المكاسب، أو على أقل تقدير الخروج بلا سؤال عن الماضي، إلا أن قيادة أركان الجيش أصرت على تضييق الخناق على هذا المحيط بشكل تدريجي، مع الحرص على البقاء في إطار دستوري حتى لا يحسب ذلك انقلابا عسكريا، والتعاطي بإيجابية أكثر مع مطالب الشارع، ليس حبا في ادعاء ديمقراطية الحكم الجمهوري، بل حرصا على عدم تكرار سيناريو خريف دول العرب المجاورة أو غير المجاورة، أو لتلافي أخطاء التسعينات التي قادت البلاد إلى ويلات الحرب الأهلية لسنوات عرفت في تاريخ الجزائر بالعشرية السوداء، وهي كذلك فعلا.

الجمعة الماضية هي السابعة في تاريخ التظاهر والأولى بعد استقالة بوتفليقة، ويبدو أن الإيقاع العسكري يفقد رونقه مع ارتفاع سقف المطالب فيها برفض تفعيل المادة 102 من الدستور وما يتبعه من تولي ابن صالح الرئاسة لمدة أقصاها 90 يوما، فالجزائريون يرون أنه محسوب على النظام الراحل، وأنه رجل مريض صحيا، وما يزيد تصاعد الحراك أنهم لا يثقون في الأحزاب القائمة الآن ويرون أن مجلس البرلمان لا يمثلهم فهو أحد مخرجات النظام الفاسدة.

أخيرا، أرى أن اقتراح المعارضة في الاستناد للمادة السابعة والثامنة في الدستور هو الحل، ويمنح السيادة للشعب من خلال تشكيل هيئة رئاسية وحكومة تقوم بإدارة المرحلة الانتقالية قبل تنظيم انتخابات لاختيار رئيس جديد، وتمنع إعادة إنتاج النظام القديم عبر بوابة الانتخابات.

@hq22222