أحمد الهلالي

تظلمات أعضاء هيئة التدريس!

الثلاثاء - 02 أبريل 2019

Tue - 02 Apr 2019

أسوأ المشاكل التي يواجهها الإنسان ـ في نظري ـ مشكلتان، حين تكون في منزله أو في مقر عمله، وليس ذلك تهوينا من المشاكل الأخرى التي تعترض حياة الإنسان، ولكن لأن وجوده الدائم في محيط أسرته ووظيفته أكثر من غيرهما، ونشوء المشاكل في هذين المجتمعين الحيويين له مردوده السلبي على تفاقم المشكلة وتزايد مضاعفاتها على النفس والأداء.

في البيئات الجامعية المعقدة كما تحدثت في مقالات سابقة، تعترض عضو هيئة التدريس أو الموظف العديد من المشاكل، بعضها مشاكل حقيقية، وبعضها ربما تكون متوهمة، يتخيلها العضو من بعض المواقف أو الانطباعات، وتظل تعصف بذاته، فمثلا يكون حقيقيا أو متوهما أن فلانا عرقل ترقيته، وأن خصومته العلمية جعلت فلانا يقف في طريق مبادرته أو مشروعه، وإحساسه أن علانا يغار منه فعطل أموره، أو أن فلانة تحاربها لأنها من طيف فكري آخر، أو سمعت أن علانة نقلت صورة مشوهة عنها عند صانع القرار، وغيرها من الإشكالات الحقيقية والمتوهمة.

هذه الإشكالات تنشأ في جل بيئات العمل، ولكنها تستنكر في الأوساط الأكاديمية التي تُفترض فيها المثالية دائما، ونعلق الآمال عليها في حل مشاكل البيئات الأخرى، وبفعل هذه الإشكالات يرفع بعض أعضاء هيئة التدريس الشكاوى إلى الوزارة أو إلى المحاكم أحيانا، وبعضهم يجد الإنصاف، وبعضهم يتضح له خطؤه، لكن لا أتصور جهة تحترم ذاتها تجالس منسوبيها أمام القضاء، ولا أدري كيف سيكون تعاملها مع منسوبها حين تحتكم عليه! والأدهى من ذلك بأي وجه تستقبل موظفها حين تثبت مظلوميته ويحتكم عليها، وتنصفه الجهات الأخرى من جهته التي يفني عمره في خدمتها؟

غالبا، عضو هيئة التدريس لن يلجأ إلى الوزارة أو القضاء إلا في المظالم الكبرى، وثمة شعور بالظلم تنبت أشواكه من مظالم صغرى، كإقصاء من اللجان، أو الشعور بالتهميش وتفضيل الآخرين دون مبررات، أو منعه من أمر وتمكين غيره منه، وغيرها من الأمور، ومثل هذه المظالم تستحق أن تخصص لها الجامعات لجانا على قدر من النزاهة والاستقلالية والعدل، وقد لفتني قرار جامعة الطائف بتكوين لجنة مختصة للتظلمات، مهمتها النظر في تظلمات أعضاء هيئة التدريس والموظفين قبل وصولها للقضاء وبعده، والبت في تلك القضايا، وبالبحث عن أمثالها في الجامعات الأخرى وجدتها واضحة في مواقع بعض الجامعات، وغير واضحة في أخرى، وهي حل من الحلول الناجعة، شرط أن تتمتع بالنزاهة والعدل والاستقلال، وأن تكون أحكامها معتبرة نافذة، وبموجبها تراجع القرارات الإدارية والعلمية التي أضرت بالمنسوب، وثبت خطؤها.

أستاذة من جامعة ما أرسلت شكواها من تعذر ترقيتها لسنوات عدة، وبحسب شرحها للأسباب فإن معايير الترقية ضبابية وتتغير باستمرار في جامعتها على خلاف الجامعات الأخرى، فما إن تطبقها حتى تتغير مرة أخرى، وتحكي أن زميلتها عانت ذات الأمر وحين تظلمت أخبرها المسؤول أن قرار رفض ترقيتها نافذ، واعتبار قرار تعذر ترقيتها نافذا دون حكم واضح وشفاف وعادل من لجنة التظلمات أمر ليس محمودا في نظري؛ لأن غصته تظل في صدر عضو هيئة التدريس،

تتراكم على غيرها من الغصص والإحباطات.

لعل أهم صفات (إدارة أو وحدة أو لجنة/ التظلمات) أن تتمتع بالعدل والاستقلالية والسرية والنزاهة، وأن يأمن منسوبو الجامعة جانبها، فبعضهم يتوجس أنها فخ لكشف دعواه وحججه، وبعضهم يظن أن مواقفا وتبعات وانطباعات سالبة سيكوّنها أصحاب الصلاحيات عنه حين يلجأ إليها، وتتخذ ضده لاحقا، وبعضهم يظن أنها لا تتحرك إلا إن شعر المسؤول أن العضو سيحتكم عليه، وهنا يأتي دور الجامعة في ضرورة إزالة كل هذه المخاوف وتقديم نموذج عدلي داخلي رفيع المستوى، تستفيد منه البيئات الإدارية الأخرى.

يجب أن تسعى كل الجامعات إلى تفعيل دور لجنة التظلمات، وإعطائها أرفع الصلاحيات في إنصاف منسوب الجامعة، سواء أكان أستاذا أم موظفا أم طالبا، فمؤسسة عملاقة كالجامعة تحوي كليات للشريعة والقانون، ويعمل فيها آلاف المواطنين بمختلف المستويات، ومختلف المصالح، يجب أن تعنى عناية فائقة بالعدل، وسماع أصوات المتظلمين، فإن ثبتت مظالمهم أُنصفوا، وإن لم تثبت فقد أزالت من صدورهم شوائب الحنق والاحتقان والشعور بالظلم، ومردود هذا الفعل سيكون إيجابيا على البيئة الأكاديمية والعاملين فيها، والوطن.

ahmad_helali@