محمد حطحوط

المقال رقم 200.. كواليس المقال الأسبوعي

السبت - 30 مارس 2019

Sat - 30 Mar 2019

الكتابة عشق.. الكتابة شعور مختلف. هي الابتسامة الجميلة حينما تشاهد إنسانا يحتل مساحة واسعة من قلبك. الكتابة هي الرعشة اللا شعورية التي تصيب رجلا يقابل حبيبته لأول مرة. الدهشة المذهلة في عينيه والماء الذي يبتلعه لا شعوريا في حلقه لجمال اللحظة. الحروف تموت حين تقال في وصف الأعين الناعسة المتكئة على ضفاف الحلم! الحروف قد لا تستطيع توثيق هذه اللحظات المختلطة التي تتلبس الكاتب، من حب لنشر المعلومة، وصدق مع القارئ، وإرضاء لمقص الرقيب! الكتابة حالة تفريغ لكثير من الآمال والآلام.

كل هذه المشاعر المتناقضة تواجه الكاتب في كل مرة يحضر فيها قلما وورقة. ولهذا من الطبيعي ألا يشعر الكاتب بطقوسه، وكنت لوهلة أظن أن كلمة (طقوس) مبالغ فيها، ولكن نظرة من ارتفاع 30 ألف قدم كفيلة بفضح كل العادات التي يمارسها الكاتب - أي كاتب - بشكل لا واع! أولاها بالنسبة لصاحبك حالة غريبة تتلبسه أثناء ممارسة هوايته الأسبوعية يسميها علماء النفس «استغراق اللحظة الحاضرة»، تفقده الاتصال تماما بالمحيط الذي حوله، لدرجة أن صديقا دخل عليّ مرة أثناء كتابة مقال وسلم وكرر السلام، ثم خرج غاضبا، وعاد بعد زمن، وعندما أخبرني القصة، لم أصدق، حتى أقسم أيمانا مغلظة أن هذا ما حدث. مع السنوات اقتنعت فعلا أنني أستغرق اللحظة الحاضرة بالكتابة، لدرجة أنك تسبح في عالم آخر، وتفقد الجاذبية الحسية لما حولك. بعدها أصبحت لا أكتب المقال إلا وحيدا بعيدا عن أي صوت أو مشتتات، وبعيدا عن الإحراجات الاجتماعية!

ولكن التحدي العظيم لصاحب أي عمود: كيف تجد فكرة خلاقة كل أسبوع؟ لدي تطبيق خاص بجمع الأفكار للمقالات، فيه اليوم 140 فكرة مقال جاهزة للكتابة. هذا التطبيق هو مستودع لأي فكرة تمر خلال اليوم. عندما أمر بخبر جيد في تويتر، معلومة في كتاب، فيلم وثائقي، رسالة واتس اب، محاضرة عامة، دردشة مع صديق.. عندما تمر فكرة قد تكون نواة لمقال، أدونها مباشرة في هذا التطبيق.

مثال: لدي فكرة مقال للنشر بعنوان (كم تضع ميزانية للتسويق؟) ستكمل قريب السنة وهي تطبخ بهدوء، وكلما مرت فكرة داخلية للموضوع أضفتها في التطبيق تحت ذات العنوان، وعندما تصل الأفكار الفرعية إلى خمس كحد أدنى لأي عنوان عريض، يكون المقال تقريبا جاهزا للكتابة والنشر. ولهذا أعطي كل موضوع وقته الكافي، ويطبخ على نار هادئة حتى ينضج، حيث يقدم في النهاية للقارئ الكريم. ولكن الذي يصنع القيمة المضافة لأي كاتب هو عادة القراءة اليومية. بعبارة أخرى: لدي ورد يومي لكتاب مقروء وكتاب مسموع. هذا الورد مستمر عليه منذ سنوات. هذا الورد تماما مثل الصلاة، لا يقبل أي عذر لتركه! سفر أو مرض، أو عيد، لا بد أن أنهي الورد اليومي. الكتب السمعية - كلها إنجليزية من تطبيق Audible- جعلتني أستغل لحظات قيادة السيارة، والانتظار، والمشي، بل حتى أكرمكم الله دورة المياه، للاستماع. هذه الدقائق اليومية الضائعة تصنع ساعتين - كمثال - يوميا دون أن تشعر! تخيل، ساعتان يوميا تعني 720 ساعة سنويا، وبالأرقام تنجز 96 كتابا مسموعا كل سنة! بناء عادة القراءة هي نصيحتي الوحيدة لأي إنسان يريد أن يكون كاتبا.

من الكواليس التي لا يراها القارئ أن يكون المقال جاهزا للنشر، العنوان الرئيس موجود، والنقاط الفرعية كذلك موجودة، ولكنك تنتظر التوقيت المناسب لنشره، فمقال مثل (سعودي يتزوج مكسيكية) قصة مذهلة وقفت على تفاصيلها ستدون يوما ما، أو مقال (القصمان وسور الصين)، هو الآخر جاهز، عن فلسفة في إدارة الأعمال، لكن لم يحن يومه المنتظر.

أحيانا يكون المقال متكاملا، وتوقيته مناسب، ولكن الرقيب في حالة مزاجية انفعالية!

كل ما سبق يعتبر حشوا قد لا يهمك. الخلاصة الحقيقية أن يكون لديك ككاتب جواب واضح للسؤال التالي: لماذا تكتب؟ بالنسبة لصاحبك هدفه هو التأثير. التأثير الذي يغير حياة إنسان تصلك أحرفه أن مقالا عابرا غير طريقة تفكيره أو تعاطيه مع القضايا حوله. هذا التأثير الموجب - في حياة إنسان لم تسمح خطوط الطول ودوائر العرض أن تلتقي به - هو العلم الذي ينتفع به، والذي أخبرنا عنه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم. ولكن هذا التأثير قد يكون مزعجا، كما يقول هاري ترومان: (إنني لم أعكر صفو حياتهم أبدا، إنني فقط أخبرهم بالحقيقة.. فيرونها جحيما!).

mhathut@