محمد أحمد بابا

منتج الإمام البخاري ومختبر الفحص التجاري

السبت - 16 مارس 2019

Sat - 16 Mar 2019

لعلي من خلال دراستي الشرعية منذ المرحلة المتوسطة حتى الجامعة بإمكاني الخروج - ولو بعض الشيء - من استباق من ينوي اتهامي بأن (من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب) مع قناعتي الخاصة بأن حدود تناول الرأي في أي مجال لكل ذي بصر لا تتوقف وليست ذات رخصة للدخول.

لذلك فمصطلح الحديث أو علم أصول الحديث وما ينضوي تحته من علوم فرعية، كالأسانيد والرجال والجرح والتعديل والتخريج ونحو ذلك هو مادة علمية من (علوم الآلة) كما اصطلح على تسميتها المتقدمون، ولعل تكون هذا العلم كمركزية معرفة موحدة في استقلالية تناول إنما حدث من خلال استقراء لاحقين لما يفعله أو قام به سابقون، فأخرجوا نتائج تصحيح أو تضعيف ونحو ذلك.

بمعنى أنك ترى النتيجة ثم تحفزك نفسك لتتساءل: كيف وصل من أنتجها لها؟ فتتبع خطاه راجعا للوراء حتى تحاكي ما فعل لتقول بعد ذلك بأنه انتهج كذا وكذا ليصل إلى كذا وكذا، وكل ذلك عمل إنساني بحت واجتهاد بشري خالص، وهو عند المسلمين مستنزل ومستمد من عموميات وقواعد ومقاصد شرع، وأخلاقيات دين تدعو لقاعدة ربانية وهي التثبت من الخبر ليَمتُن الاحتجاج.

اليوم وبعد قرون على منتج الإمام البخاري رحمه الله وغيره من أئمة الحديث، ربما اختلط على الوجه الثقافي والميدان الفكري والحراك المعرفي مسألة الاحتجاج بمسألة الحقيقة التي تقف في مواجهة غير الحقيقة وهي (الكذب) من حيث هو كذلك.

وما أقصده هنا لا بد له من علم آلة آخر وهو (أصول الفقه) وفيه مباحث كبيرة تتكلم على درجات العلم، وتفرز الظن وغالب الظن والحقيقة المطلقة وغير المطلقة، لنحتاج بعد ذلك لعلم ثالث من علوم الآلة وهو العلم الإنساني العظيم (المنطق) وتوابعه من الفلسفة لنقف ربما على فهم قريب من الإنصاف حيال (صحيح البخاري) وغيره من كتب لها رسوخ كبير فيما بُني على حجية ما جاء فيها من أحكام ورؤى شرعية.

وهناك فرق كبير بين (البخاري) رحمه الله وبين كتابه (الجامع الصحيح) تناولا لذي إنصاف وقسط من المتقدم أو المتأخر أو المعاصر من الناس أجمعين، وحفظ الحق الأولى لهذا الإمام العظيم وفق ما جاء في سيرته من ذات الطريق الذي وصلت إلينا به بعض أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم واجب المراعاة توافقا مع سنة الأمم في رموز ثقافتها وما تراه وما هي ماضية به، لكن المراجعة لآلة ورود النصوص وفحص مادة الجمع واستقراء جاد حديث متطور لفلسفة المحدثين رحمهم الله في سبل جمعهم؛ أمر متاح فيما أعتقد، بل ومدعو له لأهله وعلماء فنه.

وهنا يجدر القول بأن الدعوة للمراجعة لا تعني التشكيك ولا زعم الخطأ ولا استنقاص الموجود، وأية رؤية قبلية لعمل مستهدف يعتبرها المحققون مخالفة للحياد المطلوب حيال إخضاع العينات للفحوص المخبربة العلمية.

أما التنابز باستعداء الناس أو بعضهم بالغمز واللمز في رموزهم أشخاصا وفي كتبهم استقصادا فذلك إفراز الخطأ في التعاملات المذهبية والاجتماعية لا طائل من ورائه سوى إذكاء الجاهزية لمزيد من التلاسن سبا وشتما يخالفان أحاديث وآيات نحن بها جميعا مؤمنون، لذلك من الصعب القناعة أو الوثوق بتقارير مختبر تجاري عن منتج أصلي التكوين.

ومن وجهة نظري أن زوبعات الكر والفر بين زبد الكلام دون الذي ينفع الناس هي من علامات الطريق الموصل - ولو بعد حين - لأغلب الظن الذي تبنى عليه أشباه الحقائق اتباعا وامتثالا لأمر الله تعالى (فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا) ولقد ثبت بأن الأصل بقاء ما كان على ما كان، وإخراجه عن ذلك يحتاج لدليل قاطع كلنا عنه باحثون، وحتى نجده ويكون حقا يبقى الحال على ما هو عليه وعلى المتضرر اللجوء للتناول الأخلاقي العلمي المنطقي خلافا أو موافقة كي نسمع منه دون أن يسيء لنا أو نكرهه لما يقول، أما الإمام البخاري وغيره من أوتاد إسلامنا فجزاهم الله تعالى عنا وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء ورحمهم ربي وغفر لنا ولهم.

albabamohamad@