حارس البوابة والأخبار الزائفة!

الأحد - 03 مارس 2019

Sun - 03 Mar 2019

من المهم معرفة أن كل محتوى صادر عن أي وسيلة إعلامية هو منتج تمت صناعته واختيار مكوناته بناء على وجهة نظر واحدة أو أكثر، وهذا لوحده كاف لنفي مفهوم الحياد الذي ترفعه بعض الوسائل الإعلامية شعارا لها.

وكل وسيلة إعلامية تصمم مسارها الخاص بها لإنتاج المحتوى الإعلامي، وفق سياستها ومعاييرها الإعلامية؛ لضمان وصول المحتوى الإعلامي الذي يعبر عن هويتها المؤسسية وأهدافها الاستراتيجية إلى الجمهور المستهدف. ويضم مسار صناعة المحتوى الإعلامي عددا من المحطات الأساسية التي يتم خلالها اتخاذ القرار في مضمون وشكل وسرعة وصول المحتوى الإعلامي للجمهور المستهدف.

هذه العملية تسمى في الدراسات الإعلامية «نظرية حارس البوابة»، ويقصد بحارس البوابة كل فرد أو مجموعة من الأفراد الذين يتحكمون في سير عملية تشكيل المحتوى الإعلامي، من خلال تحديد حجم وطبيعة الأفكار والمعلومات والبيانات التي يصنع منها المحتوى الإعلامي، وإعادة ترتيب تلك الأفكار والمعلومات والبيانات أو تفسيرها.

وينبغي أن يتمتع «حراس البوابة الإعلامية» بالمصداقية والموضوعية وقوة المصادر، مع ضرورة الانتباه إلى أن حارس البوابة يتأثر بجملة من العوامل، في مقدمتها أساليب التنشئة الاجتماعية والتعليم والاتجاهات النفسية والميول الذاتي، وثقافة المجتمع وقيمه وتقاليده، وسياسة الوسيلة الإعلامية ومصادرها، وعلاقات بيئة العمل وتحدياتها، والمعايير والتوقعات الخاصة بالجمهور.

تعد نظرية حارس البوابة من أبرز النظريات في الدراسات الإعلامية، وتفرع عنها عدد من المفاهيم، منها حراسة البوابة الإعلامية للجمهور، بعد تعاظم دور مستخدمي الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في إنتاج المحتوى الإعلامي وإعادة توزيعه وإبداء الرأي تجاهه.

ومع تعدد وسائل التواصل الاجتماعي وانتشار استخدامها، وتبادل الأدوار بين المرسل والمستقبل، اتسعت مساحة المحتوى الإعلامي الزائف أكثر من أي وقت مضى، وتحديدا الأخبار والمعلومات، حيث تضاعف إنتاج المحتوى الإعلامي الزائف وانتشاره بسرعة تفوق صناعة المحتوى الإعلامي المتسم بالمهنية والحرفية، خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي ذات الشبكات المغلقة التي يدور أفرادها في عدد محدود من الخيارات، وبالتالي لا تتاح الفرصة لفحص المحتوى الإعلامي ونقده.

وفي ظل اتجاهات المؤسسات الإعلامية لتقليص الزمن المطلوب لإنتاج المحتوى الإعلامي وإيصاله للجمهور، تخلت كثير من الوسائل الإعلامية عن المعايير المهنية، ودخلت في ميدان السبق الإعلامي، ونافست حتى الجمهور في عرض الأخبار التي تحدث في بيئتهم ومحيطهم. فاختلت وظيفة حارس البوابة في وسائل الإعلام، وسقط عدد منها بنشر محتوى إعلامي زائف، والنقل عن مصادر إعلامية مزيفة عمدا، فيصل بها الحال إلى الاعتذار، والتنازل عن جزء من صورتها وموثوقيتها لدى الجمهور.

ما سبق على صعيد صناع المحتوى الإعلامي في المؤسسات الإعلامية، والحالة أقرب للفوضى فيما يتعلق بالمحتوى الذي يصنعه الفرد من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة في ظل غياب القوانين المنظمة لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي أو ضعف تطبيقها، وانتشار الأمية بوسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية.

ومن خلال استراتيجية طويلة المدى، وتصميم سلسلة من الحملات التوعوية والتثقيفية، يمكن غرس دور حارس البوابة الإعلامية في داخل كل فرد، وتعزيز حس المسؤولية الإعلامية لديه، وتنمية أدواته الفكرية والنقدية تجاه أي محتوى إعلامي يتعرض له، ليميز الزائف منه ويمنع انتشاره وإعادة توزيعه، ليساهم بذلك في مكافحة الشائعات والأخبار الزائفة، وتعزيز الأمن الاجتماعي للوطن.

@shakerabutaleb