عبدالله المزهر

قضايا الرأي العائم ...!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الخميس - 28 فبراير 2019

Thu - 28 Feb 2019

ما هي قضايا الرأي العام؟ أو ما هو الرأي العام من الأساس؟

أظن أن قضية الرأي العام هي التي يتبنى أكثرية المجتمع بكافة فئاتهم وأعمارهم نقاشها وتحليلها والجدال حولها. وقضية «الرأي العام» قضية استثنائية، غير متكررة. والمجتمعات الطبيعية تكون فيها القضايا المثيرة للرأي العام على فترات متباعدة، وتكون في الغالب الأعم قضايا جوهرية مهمة.

تكون قضية الرأي العام متعلقة ـ على سبيل المثال ـ بجريمة بشعة، أو فصل عدد من الموظفين، أو تسريح عمال، أو قضايا فساد كبرى تكشفها الصحافة، أو عدم دفع الشركات لأجور موظفيها وعمالها.

في عهد التواصل الاجتماعي وتطبيقات «النميمة» الالكترونية، أصبح كل حدث يحدث مرشحا ليكون قضية رأي عام، سواء كان حدثا سخيفا أو عظيما أو حدثا روتينيا يحدث يوميا منذ وجود الكائن البشري ضمن المخلوقات على هذا الكوكب.

تخيل أيها الإنسان القضية أنك قد تتجادل مع أحدهم في بقالة ـ كما يحدث منذ اختراع الجدال والبقالات ـ وقد ينتهي الأمر بأن يذهب كل منكما في طريقه وتنسيا ملامح بعضكما البعض بعد ثوان من افتراقكما، لكن إن حدث وتم تصوير هذه الواقعة ثم روج لها أحد مشاهير مواقع النميمة، فأنتما الآن موضوع لنقاش مجتمعي واقتتال كلامي بين كافة أطياف المجتمع، وسيظهر من العدم أولئك الذين يجيدون تقمص دور «الإنسان الكامل»، وستجدان المغرمين بالحرية وهم يتحدثون عن وجوب مراقبة البقالات، ولن يفاجئكما وجود آخرين يتحدثون عن التغريب الذي كان سببا في الانحدار الأخلاقي لمرتادي البقالات، ولا وجود أولئك الذين سيثبتون في «برامج الشو» بطريقة لا تقبل الشك مدى تأثير الصحوة في طابور البقالة، ثم ينتهي بكما المطاف في غرفة باردة مع مذيع يصرخ في وجهيكما «محنا بساكتين».

ستصبحان بعد يومين من النقاش مجرد صورة خلفية لمقطع حزين مليء بالآهات البشرية. وقد يكون أحدكما محظوظا وتكون صورته في البقالة وهو يرفع يده غاضبا يشتم إنسانا آخر ـ كما يحدث دائما ـ خلفية لشيلة مزعجة تغزو مجموعات الواتس اب.

أنتما ـ يا صاحبي البقالة ـ من فئة لم ترد أن تكون قضية رأي عام ولا رأي خاص، لكن فئة أخرى تبحث عن ذلك، تستميت من أجل نشر تفاصيل حياتها اليومية بكافة تفاصيلها المملة بانتظار اللحظة المناسبة التي ستدخلها عالم الشهرة من باب «قضايا الرأي العام» المجانية.

وعلى أي حال..

لا أعلم هل هذا متعمد أم عفوي أم إن هذه أعراض «طلق» نهاية العالم وهو يدخل المخاض، لكن المحصلة النهائية لكل هذا أنه لم يعد للقضايا قيمة، ولا للحلول معنى، وتوارت الهموم الحقيقية والقضايا الكبرى خلف جبال الهموم المصطنعة والقضايا التافهة، واختفى العقلاء خلف أكوام التافهين، ولم يعد للرأي أهمية، فأنت لا تعلم من المتحدث ولا كيف يفكر ولا مدى سلامة قواه العقلية، ولا ظروفه النفسية، وستجد أن حرية التعبير «الوهمية» في وسائل التواصل تتيح لأحدهم أن يشكك في معنى آية أو حديث أو يستسخف المعلقات، دون أن يجد في نفسه حرجا وهو يفعل ذلك عبر تغريدة تتزاحم فيها الأخطاء الإملائية والأخطاء النحوية.

agrni@