ياسر عمر سندي

علمني.. لا تخليني مقيد ولا مفكوك

الأربعاء - 27 فبراير 2019

Wed - 27 Feb 2019

العلم يخرجنا من الظلمات إلى النور ويساعدنا على رؤية ما وراء المستور ويعيننا على تحريك الراكد وتجميع المنثور ويغير من حال الأمي ليقرأ المنشور ويستطيع كتابة ما بين السطور. وأرى أن العلم ينتقل على طريقتين إما أن يكون هبة من الله أو أنه سعي حثيث من خلق الله أو كليهما معا، والهبة غالبا ما تعطى للأنبياء، إما بالتعليم الكامل أو بالتكليم المتبادل أو الوحي النازل، وسأوضح ذلك تباعا، فالبشر بين بعضهم يحتاجون للتعلم والاجتهاد الذي يتطلب التفكر والتفكير والرؤية والتبصير وإعمال العقل بلا تعطيل للوصول إلى الدليل، حيث سخر الله لنا الأرض والكون لنتأمل ونعمل ونجتهد ونتمعن ونسأل فيما خلق البارئ وصور وأبدع وقدر، فالعلم شامل وعام لشتى مناحي الحياة ولكافة العلوم الدينية والدنيوية، لأنها الطريق الموصلة لوجود الله.

فالعلم عبادة وليس عادة إذا ما استشعرنا فضل الله علينا وكرمه والإمكانات المسخرة أمامنا، ولتبيان قيمة العلم وقوته وأساسه المتين أرشدنا العليم الخبير إلى ذلك جليا من خلال أهمية القراءة والكتابة، لأنهما السبب الرئيس في رفع القيمة البشرية ومحو الأمية حين نزلت أول سورة على نبينا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وهي سورة العلق، ومنذ تلك اللحظة وبصدور الأمر الإلهي بـ «اقرأ باسم ربك الذي خلق» إلى نهاية الآية «5» بقوله عز وجل «علم الإنسان ما لم يعلم» نرى التدرج القرآني العظيم من خلال نعمتين وأداتين أساسيتين تساعداننا على العلم والتعلم، الأولى هي «القراءة» باستخدام أداة اللسان لخزن ذلك في العقل المؤدي إلى التفكر والتأمل للشخص نفسه ولغيره، والتي توصل إلى معرفة الله وخلق الله منذ تعلقهم بأرحام أمهاتهم إلى أن يروا النور، والثانية «الكتابة» باستخدام أداة القلم الذي يعكس التوثيق للكلام وتدوينه لحفظ ذلك العلم للأجيال المتعاقبة بمعونة وكرم الله الذي أخرجنا من انعدام العلم إلى أنوار العلم، والذي ما كنا لنهتدي ونتعلم لولا أن هدانا الله.

ومما سلف يتضح أن الله عز وجل أكرمنا بالعلم بأربع طرق من خلال الأداتين سالفتي الذكر، وأيضا من خلال التعليم المباشر منه عز وجل في قوله (وعلم آدم الأسماء كلها)، سورة البقرة 31، أو التكليم (وكلم الله موسى تكليما)، سورة النساء 164، أو الوحي (إن هو إلا وحي يوحى)، سورة النجم 4، وهو القرآن والعلم المنزل على النبي الأمي، وهي الطرق الرئيسة التي اكتسبها بنو آدم، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، فهي رسالة ربانية لنشر العلم ولكل مسؤول عن العلم أو من امتلك معلومة ومعرفة تثري البشرية وتساعد في شكر نعم الله علينا.

وهنا بدوري كمتخصص في إدارة المعرفة أدعو كل من لديه علم أو معرفة أن يعمل على توثيقها وتعليمها ونقلها لغيره، سواء بطريقة مباشرة لعلم محدد ولشخص محدد أو نشرها بطريقة عامة ليستفيد منها غيره، لأن زكاة العلم نشره وفضل العلم تعميمه، وفي حين احتكار العلم وحبسه تحدث ما تسمى بـ «الحيرة المعرفية» لدى كثيرين من طالبي المعرفة، ويتناقص بذلك العلم المستفاد منه لبناء معلومات معرفة إضافية من كل شخص، وذلك بسبب المدخلات المختلفة والشخصيات المتباينة والاستعدادات العقلية لترجمة العلم لدى كل إنسان لإخراجه في المحصلة النهائية كمعرفة عامة، فالعلم نعمة وكتمه نقمة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من كتم علما ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار).

ولتعليم العلم وتعميم المعرفة ونقلها فوائد ومنافع عدة، أجدها في الآتي:

• تحري الأجر والثواب من تعليم العلم ونقل المعرفة.

• التعرف على نواحي الخطأ والصواب عند صاحب العلم وإمكانية مشاركته مع غيره لتصويب الخطأ أو الاستمرار في الإضافة التراكمية لما وصل إليه غيره.

• أن تكون طالبا للعلم مشاركا لغيرك خير لك من أن تكون عالما بالعلم مكتفيا بعلمك.

• الوصول للمعلومة الأكثر دقة وأكثر صحة من خلال المشاركة العالمية في أي علم.

• نشر التلاقح المعرفي بسبب الفروق الفردية البشرية وإضافتها إلى الوعاء المعرفي العام.

• المصالح المتبادلة في نشر العلم وما لها من رجع الصدى للباحثين عن المعلومة وأهميتها.

• استشعار الفضل والمنة لله عز وجل بسهولة وصول ونقل العلم.

وكما قيل العلم صيد والكتابة قيد. فعلموا غيركم وأفيدوهم بما لديكم من علم ومعرفة تهمهم، ولا تجعلوهم حيارى مقيدين بجهلهم ولا مفكوكين بهمهم.

@Yos123Omar