ناصر الهزاني

سلوكياتنا الرقمية.. منجم ذهب لشركات التكنولوجيا

الاثنين - 25 فبراير 2019

Mon - 25 Feb 2019

في كتابها الصادر حديثا «عصر رأسمالية المراقبة» تطرح الباحثة شوشانا زوبوف طريقة عمل شركات التكنولوجيا الكبرى قوقل وفيس بوك ومايكروسوفت وأمازون إضافة لشركات التسويق على صياغة شكل جديد من التعاطي مع المستخدم من خلال استراتيجية التتبع الرقمي التي تعنى بمراقبة سلوك المستخدم لوسائل التواصل الاجتماعي وللانترنت عموما، والعمل على تعقب كل نقرة في أجهزتنا لمعرفة اهتماماتنا ورغباتنا.

الكتاب يسبر أغوار آلية عمل الشركات التكنولوجية التي تعمل على صياغة شكل جديد من أشكال الرأسمالية الجديدة، حيث توفر سلوكياتنا في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والعالم الافتراضي المادة الخام التي تستخدمها الشركات الكبرى في مجال التكنولوجيا والتسويق لبيع تلك البيانات والمعلومات للزبائن الحقيقيين، وهم المعلنون الذين يطمحون للتعرف عن قرب على سلوك المستخدمين، وبالتالي صناعة استراتيجيتهم للوصول إلى العقول والتسلق إليها من خلال التتبع الرقمي.

استراتيجية المراقبة والترصد التي تعمل عليها الشركات التكنولوجية الكبرى تهدف للتنبؤ ومحاولة التحكم في سلوكنا الرقمي وتوجيهه نحو خيارات معينة بشكل غير مباشر، من خلال استخدام مجموعة من البرمجيات الخاصة بذلك.

تعد معلومات وبيانات الجمهور المستخدم لمنصات التواصل الاجتماعي مصدرا خاما مهما، وفي حين كنا نبحث عن معلومات من خلال موقع قوقل، تغير الأسلوب وأصبح قوقل هو من يبحث عنا ويسعى لمعرفة اهتماماتنا ورغباتنا واستثمار لحظات الضعف التي يمر بها المستخدمون للانترنت لتمرير مجموعة من الإعلانات وتوليد حاجات وأشياء جديدة لدى المستخدم تدفعه للشراء والتسوق.

شركة قوقل على سبيل المثال التي يستخدم منصاتها المختلفة أكثر من مليار مستخدم شهريا بشكل فاعل عبر البريد الالكتروني جي ميل، وأندرويد، ومتصفح كروم، والخرائط (مابس)، والبحث (سيرتش)، ويوتيوب، ومتجر تطبيقات قوقل، كل هذه المنصات والمنتجات الرقمية تمثل ثروة معلوماتية هائلة ومنجم ذهب تستثمره الشركة الكبرى في تعقب حياة كل مستخدم ومعرفة المجالات التي يهتم بها.

لقد استطاعت شركات التكنولوجيا تحقيق مكاسب عدة من خلال استغلال البيانات الضخمة المفتوحة للجمهور، منها تحقيق مداخيل مالية عالية، والتنبؤ بسلوكنا ومحاولة تعديله وفق مصالحها ومصالح المعلنين، بمعنى أنهم لم يعودوا أجهزة لاستشعار التغيرات السلوكية فحسب، ولكنهم باتوا مشغلين بشكل غير مباشر لتوجيه سلوك الناس نحو منتجات وأفكار معينة.

من الواضح أن خصوصية المستخدمين أصبحت عرضة للاستغلال من قبل شركات التكنولوجيا التي استباحت استخدام بيانات الناس واستثمارها في تحقيق معدلات ربحية مرتفعة دون النظر للاعتبارات الأخلاقية لتلك الممارسات.

من المهم أن ندرك كمستخدمين لوسائل التواصل الاجتماعي وللمنصات الرقمية بمختلف مجالاتها أن وعينا بتغير البيئة الاتصالية في العالم اليوم يحتم علينا أن نضبط سلوكياتنا الرقمية، وألا نقع ضحية لخديعة الإعلانات التي تروجها شركات التكنولوجيا عبر منصاتها، كما أن مسؤولية رفع مستوى الوعي لدى المجتمع تجاه تلك الممارسات تتطلب تضافر الجهود من مختلف الجهات ومؤسسات المجتمع ومن المدرسة والبيت لخلق إدراك عام لدى مختلف شرائح الجمهور وأطيافه بأهمية ضبط سلوكنا الرقمي.

@nalhazani