ياسر عمر سندي

ابتر واختصر

السبت - 23 فبراير 2019

Sat - 23 Feb 2019

من المبادئ والسلوكيات الأصيلة أيضا التي أرى أنه يجب ممارستها وتطبيقها في الحياة الأسرية والاجتماعية والعلمية والعملية أن «نبتر ونختصر» أي نقتصر الخوض فيما لا يعنينا ولا يهمنا وليس لنا فيه ناقة ولا جمل في حياة الآخرين، وأن نوجز من التطويل في الأحاديث والأقاويل التي لا تسمن ولا تغني من جوع ولا نجد من ورائها أي إثراء معرفي أو أخلاقي أو ثقافي أو حتى ترفيهي، بل يتوجب الابتعاد عن كل ما يقودنا أو يؤدي بنا إلى مشاكل شخصية مع القريب والغريب أو يفضي إلى نزاع يزعجنا ويؤول بنا الكلام الزائد إلى ما لا نهاية في التعاطي اللفظي مع الآخرين إلا أن يكون ذلك الكلام فيه خير لشخص ما أو لتقريب وجهات النظر والإصلاح، بشرط الاستئذان المسبق قبل التدخل.

ليس ما أعنيه أن نتهرب من المواقف أو أن نخاف من شخص ما أو نتخفى من المواجهة لا سمح الله. ولكن أجده منهجا ارتضيته لنفسي أولا وعززته في سلوكي وأعمل على نقله لأهل بيتي المسؤول عن رعايتهم ومن يتقبل نصيحتي بصدر رحب من القراء الأكارم، وأحترم كذلك من لم يتقبلها بلا تأويل ولا تعطيل ولا إسهاب ولا تقليل، وهو ليس منهجي الذي اخترعته وابتكرته أو عمدت إلى تسجيله كبراءة اختراع، بل لكونه منهجا ربانيا قويما أمرنا به المولى العظيم «لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس»، سورة النساء الآية 114.

وهو أيضا توجيه نبوي رصين من المبعوث رحمة للعالمين ومن هو على خلق عظيم عليه الصلاة والسلام وأتم التسليم، حيث قال «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه».

فالبتر الذي أعنيه ليس فيه قطع للرحم والعلاقات أو هجر للمعارف وذوي القربات، والعياذ بالله، بل هو لتوثيق هذه الروابط بشكل أكمل ولم الشمل بأسلوب أجمل في عدم التدخل الأهوج فيما لا يعنينا من خصوصيات الآخرين القريبين منهم والبعيدين، يجعل من العلاقات أكثر دفئا واحتراما وتقديرا على الإطلاق، وعندما نتأمل في واقعنا المجتمعي نرى أن كثيرا من العلاقات يسودها الجمود والمشاحنات بسبب هذه الاختراقات لسياج الخصوصية الذي وضعه كل شخص حوله وحول أسرته وخاصته.

ذاك يسأل عن أدق التفاصيل وتلك تنقب عن الكثير والقليل بكل سطوة وتعد بحجج واهية وغريبة، وهي أن فلانا أو فلانة من الناس نكن لهم كل اهتمام وحب ويجب أن نعرف عنهم كل شيء ونكون معهم خطوة بخطوة لكل أحداثهم اليومية وخصوصياتهم الأسرية، وفي حال تم صدهم أو ردهم يفاجؤون بخيبة أمل وزعل فيما كانوا يظنون ويعتقدون سلفا من حرية التعدي بأن الآخرين لم يفيدوهم بخارطة طريق حياتهم، فتحدث الشحناء النفسية والصراعات المجتمعية بسبب عدم بتر ذلك التطفل والتدخل.

والاختصار في الكلام

الذي أرمي إليه ليس فيه انعزال أو عدم إعطاء معلومة أو حبس فائدة عن الآخرين، حاش لله، بالعكس أجده راحة للنفس وأمانا للإنسان من كثرة الزلات والغلطات والسقطات البشرية. فابن آدم خطاء بطبيعته، بل كثير الخطأ أحيانا إذا ما واجه ضغوطات الحياة التي تجبره على التنفيس أحيانا ليطرح كل وجل إسقاطاته النفسية فتحدث المشكلة غير المرغوب بها، وهي الانزعاج والتحرج من الآخرين، فالاختصار يروض النفسية ويهذب الأخلاق ويضبط الشخصية ويعطي كثيرا من التركيز للالتفات للأمور المهمة في الحياة من ناحية إثراء الذهن والتحول لما يغذي العقل والانشغال بإصلاح الحال، يقول الشاعر «عليك نفسك فتش عن معايبها وخل عن عثرات الناس للناس».

من وجهة نظري السلوكية أرى أن فعل أصحاب المهمات الصعبة وهم «الحشريون المجتمعيون» ممن يسخرون حياتهم لمعرفة ما لدى غيرهم، وتعريف ما لديهم إلى غيرهم، هو مجرد تهدئة اضطراب سلوكي مذموم يعكس الفراغ النفسي والشح القيمي لديهم، فقيمة الإنسان تعلو وحياته تزهو في أمرين أخبر عنهما نبي الأمة بقوله «أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك»، و»من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت»، وهي الأصل في البتر والاختصار.

Yos123Omar @