محمد النفاعي

النوخذة البحري والنوخذة البري

الجمعة - 22 فبراير 2019

Fri - 22 Feb 2019

كان التلفزيون يعرض مسلسلا خليجيا فرضت عليّ مشاهدته بدلا من متابعة مباراة كرة قدم. كنت منشغلا عنه ذهنيا بسبب الجوال، ولكن لفت سمعي بشدة عبارة «صُمَخْ النواخذة».

يجب أن أعترف أنني لا أعرف الكثير عن النواخذة، ولا عن البيئة البحرية ومصطلحاتها وخباياها أكثر مما كان يعرض على الشاشة الفضية، مدعمة بتجربة يتيمة لرحلة «حداق» أي «رحلة صيد أسماك في عرض البحر» مع الزملاء، والتي أتوقع أن الجميع يستطيع أن يخمن حصيلتي منها.

هذا المثل الشعبي يعبر ببساطة عن العلاقة المشوبة بالحيطة والحذر بين النوخذة والطاقم من بحارة وغواصين، أي بين الرئيس والمرؤوسين. علاقة تفتقد للثقة المتبادلة والتواصل الإيجابي، مما أدى إلى إطلاق هذا المثل من الغواصين للتعبير عن سخطهم وعدم رضاهم عن النوخذة وتجاهلهم بعدم الإصغاء لهم وكأنه واحدهم أصمخ أي أطرش.

في المقابل، هناك رأي آخر مفاده أن النوخذة يتعمد عدم الانجراف مع القيل والقال ويتعمد الصمم حتى تنتهي المهمة، ومن ثم يحاسب المقصرين.

على أية حال، تبنى العامة المثل وأصبحوا يشبهون من لا يستمع إليهم في حواراتهم مهما كان نوع العلاقة بين الطرفين، آباء وأمهات مع أبنائهم، أو أصدقاء مع قرنائهم، وأقرباء مع جماعاتهم، وموظفين مع زملائهم أو مديريهم، بالنوخذة الأصمخ.

علم الإدارة الحديثة يثمن ويحفز على أن يمتلك «النوخذة البري» أهم صفات القائد المحنك والناجح، ألا وهي مهارة الاستماع الإيجابي. الاستماع له أوجه كثيرة ليست فقط الصمت عن الحديث وعدم المقاطعة، فهذا يعتبر استماعا سلبيا. الاستماع الإيجابي الذي قال عنه الفقيه سليمان الثوري «إن أول العلم الصمت ثم الاستماع إليه ثم العمل به»، وقال عنه عبدالله بن المبارك «أول العلم النية، ثم الاستماع، ثم الفهم، ثم الحفظ، ثم العمل، ثم النشر». إذن من يسمع سيفهم، ومن يفهم سيعرف، ومن يعرف سيملك القوة، وكما قيل «المعرفة قوة».

مع الأسف، البعض ارتبط الاستماع للموظف عنده فقط بتنفيذ مطالبه، وحل مشاكله الشخصية فقط، لذلك حاولوا تحاشيه وتجنبه، مما نتج عنه نتائج سلبية فيما يخص التواصل البناء داخل المنظومة.

الاستماع للموظف هو تعبير عن تقديره الذاتي واحترام أفكاره، أحيانا مجرد أن تستمع إليه مدة كافية تجده يبادر بحل الموضوع بدون أن تنبس ببنت بشفة أو الاكتفاء بالتنفيس عما يجول بخاطره فقط. الاستماع الفعال يؤدي إلى نتائج مبهرة داخل بيئة العمل، فهو كالتحفيز للموظف وإظهار الاهتمام به، مما يؤدي إلى الإبداع والاجتهاد الوظيفي.

أكثر الأخطاء شيوعا

بين المديرين، خاصة الجدد منهم، هي محاولة مواساة المتكلم عند شكواه، مثلا بإسقاط أمثلة وقصص شخصية له عن تجاربه وخيبات أمله وكيف تغلب عليها ومن ثم حقق نجاحاته وما إلى ذلك. هذه دعوة صريحة من المتلقي بألا يعيد المتكلم الكرَّة للكلام معه مرة أخرى. هناك مقولة مشهورة عن الاستماع السلبي تقول «أسوأ أنواع التواصل هو أننا لا نستمع لنفهم، ولكن نستمع لنرد».

ختاما، هناك خمسة أمور أساسية يجب توفرها حتى يصبح الاستماع إيجابيا، هي: الانتباه التام للمتحدث، الإيحاء بالاستماع لمساعدته على الاسترسال، إعطاء الرد والانخراط في المحادثة، تأجيل الحكم وعدم التسرع فيه أو إعطاء وعود وهمية، وأخيرا الإجابة على الطلب وعدم التجاهل، بعد فترة ليست بالطويلة.