ناصر الهزاني

الرياض والحضور في العمق الآسيوي.. دلالات الزيارة الملكية

الأربعاء - 20 فبراير 2019

Wed - 20 Feb 2019

ماذا تعني زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للدول الآسيوية باكستان والهند والصين؟ تأتي هذه الجولة المهمة في توقيت لا يقل أهمية نظرا لطبيعة العلاقات الاستراتيجية بين المملكة العربية السعودية والدول الثلاث الكبرى في آسيا ذات العمق الحيوي في العالم.

السعودية بما تملكه من مقومات وثقل ديني جعلها محط أنظار العالم العربي والإسلامي لتشرفها بخدمة الحرمين الشريفين، إضافة لثقلها السياسي ومتانتها الاقتصادية ضمن دول العشرين الأقوى اقتصادا عالميا، وتأتي هذه الجولة الحيوية لتقوية العلاقات الاستراتيجية وبناء منظومة شراكات مستقبلية والاستفادة من الإمكانات التي تتمتع بها البلدان الآسيوية الثلاثة.

شاهد العالم عبر مختلف وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي الحضور والتفاعل اللذين صاحبا زيارة ولي العهد إلى باكستان في محطته الآسيوية الأولى ضمن جولته التي بعثت برسالة بأن الرياض لا زالت محط أنظار العالم.

باكستان ثمنت هذه الزيارة ومنحت ضيفها أعلى وسام باكستاني (نيشان باكستان) من قبل رئيس الجمهورية الباكستانية وأراد من خلالها الرئيس الباكستاني توصيل رسالة للعالم بأهمية العلاقات السعودية الباكستانية المتجذرة، والتي تمتد لأكثر من 67 سنة، ولا سيما أنه يعيش حاليا على الأرض السعودية ما يزيد على مليوني مقيم باكستاني يشكلون أبرز العمالة في السعودية.

شهد اليوم الأول لهذه الزيارة السعودية توقيع سبع اتفاقيات مهمة ومذكرات تفاهم ثنائية بلغت قيمتها 20 مليار دولار برعاية ولي العهد ورئيس الوزراء الباكستاني عمران خان.

حققت الزيارة إلى إسلام أباد نتائج مهمة، من أبرزها برنامج تعاون مشترك بين الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة والهيئة الباكستانية للمواصفات وضبط الجودة، إضافة إلى توفير كميات من الزيت الخام ومنتجات بترولية تحتاجها باكستان، وذلك بالاتفاق بين الصندوق السعودي للتنمية والحكومة الباكستانية، إضافة لمذكرات التفاهم التي شملت تمويل مشاريع توليد الطاقة الكهربائية في باكستان، وكذلك في مجال تطوير مشروعات الطاقة المتجددة.

هناك مستقبل واعد في القارة الآسيوية بحسب الأرقام والمعطيات، ولعل ما يفسر هذا تركيز الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوربي على هذه المنطقة، فرغم أن سكانها أكثر من مليارين و800 مليون نسمة، إلا أنها تسجل نموا بارزا، فعلى سبيل المثال يبلغ النمو السنوي في الهند 5.7% وهو الأعلى، وفي الصين فإن النمو استقر عند نسبة 5.6%، أما الرقم المسجل في باكستان فبلغ 5%.

إن المنحى بين الرياض وإسلام أباد يبدو أكثر إيجابية وتعاونا في المرحلة الحالية، ولا سيما في تطابق وجهتي نظر البلدين في عديد من الملفات المهمة في المنطقة.

أما الهند التي تستورد نحو 20% من احتياجاتها النفطية من السعودية، والتي ستحصل على 800 ألف برميل يوميا حيث تشكل أولوية استثمارية للمملكة، فهي من المحطات المميزة في جولة ولي العهد الآسيوية، ولقد باتت الهند قوة اقتصادية وعلمية وقاعدة صناعية صلبة، وتعد من أكبر أسواق الاستهلاك على مستوى العالم، وتملك أيدي عاملة في مجالات منوعة ومميزة، وهي اقتصاد كبير لا يستهان به ومرشح ليحتل في السنوات القليلة المقبلة المركز الثالث عالميا، منافسة لألمانيا واليابان، كما يرى بعض المهتمين.

ومن نتائج ما تحقق في الاستثمار في مجال التكرير والبتروكيماويات بحجم 44 مليار دولار، كما أن المملكة استثمرت في العامين الماضيين 10 مليارات دولار في مجال التقنية والشركات الصغيرة، حيث حققت السعودية من ورائها عوائد مجزية تحفز على مواصلة مزيد من الاستثمار في السنوات المقبلة، ولا سيما أن إجمالي حجم التبادل التجاري بين المملكة والهند بلغ 27.5 مليار دولار في العام الماضي.

لذا فإن زيارة ولي العهد السعودي تسعى لبناء شراكة استراتيجية مع نيودلهي، وهو ما سيشكل نقلة مهمة في البرنامج الوطني السعودي للتنمية الاقتصادية، ولا سيما القطاعات الاقتصادية المبنية على المعرفة تمهيدا لمرحلة ما بعد النفط.

أما الصين فكما قيل قديما (اطلب العلم ولو في الصين) لقد أصبحت الصين قوة اقتصادية وعلمية، ولها حضور فاعل في كل مكان في العالم من حيث الإنتاج والمعرفة وبأسعار منافسة في مختلف السلع والخدمات، في الوقت الذي تسعى فيه الرياض إلى توطيد علاقة الشراكة الحيوية مع الصين فإن بكين تنظر بذات الأهمية للسعودية كونها بلدا مستقرا وآمنا ومتطورا اقتصاديا وجاذبا للاستثمار.

إن الجولة السعودية الآسيوية الحالية لولي العهد الأمير محمد بن سلمان تمثل منعطفا مهما في المنطقة، وتؤسس لمرحلة جديدة ستكون لها نتائج إيجابية مؤثرة بإذن الله في الفترة المقبلة، كما أنها تحمل أهمية استثنائية سياسيا واقتصاديا في الوقت الذي تعاني في عديد من الدول من هزات وعدم استقرار.