عبدالرحمن العليان

المال القطري وصراع استراتيجيات المنطقة

الجمعة - 15 فبراير 2019

Fri - 15 Feb 2019

قطر ذلك البلد الشقيق الذي رسم في عهود سابقة ذلك الارتباط الوثيق بينه وبين محيطه الخليجي والعربي والإقليمي في تناغم كبير مع منظومة الخليج العربي والعمل العربي المشترك في قضاياه ومصيره المشترك.

ولكن ومنذ تولي الشيخ حمد بن خليفة وحمد بن جاسم إدارة النظام في قطر، أصبح النظام القطري يسير في اتجاه معاكس ومختلف لصلب الاستراتيجيات السياسية والأمنية والاقتصادية لدول الجوار والامتداد العربي.

الغيورون في الخليج يريدون تفسيرا يوضح الصورة في ذلك المشهد المتناقض في قطر، وما هو سبب حالة الارتباك والفوضى بين القول والفعل لدى المسؤول القطري، وهذا جعل من قطر عنصرا شاذا، بل ومهددا لمنظومة الاستقرار العربي والإقليمي.

في المحيط الخليجي كانت التدفقات المالية للأفراد والمؤسسات والأحزاب البرلمانية داعما رئيسيا في إثارة الفتن في البحرين والكويت والسعودية، في تناقض مع عمل المؤسسات الخليجية الضامنة للعمل المشترك، وفق مصالح دول الخليج وأمنها الداخلي من دولة تعتبر امتدادا لنا في العادات والتقاليد والعلاقات الأسرية والاجتماعية.

وفي السياق نفسه، كان المال القطري متواجدا من خلال الدعم المباشر المالي أو من خلال مراكزه الناعمة في بيئات وبين شخصيات مهمتها إثارة الفتن وضرب المجتمعات الخليجية في لحمتها وترابطها، من خلال إذكاء الخلاف والجدال في قضايا مفبركة، وذلك لعمل حالة من الصراع الإعلامي والجدلي بهدف تغيير المواقف والسير نحو التشرذم والفرقة على مستوى المجتمعات والأنظمة.

كان وما زال المال القطري يدعم حالة عدم الاستقرار في مصر وليبيا والصومال واليمن والعراق، بهدف قد يكون المستفيد منه دول أبعد من قطر في أهدافها واستراتيجياتها. ما زالت مصر ترى أن الجانب القطري يدعم حالة عدم الاستقرار في هذا الجزء الغالي من الوطن العربي من خلال أذرعها الإعلامية ومن خلال المال القطري في دعم الجماعات الإرهابية داخل مصر أو من خلال دعم هذه الجماعات خارجيا، حيث وفرت قطر لها ولأفرادها كل دعم في داخل دولة قطر ودولة تركيا وإيران، في تدخل صريح للشؤون الداخلية للدول ودعم للمعارضين والمدرجين على قوائم الإرهاب لدى الدول.

تتداخل استراتيجية الولايات المتحدة مع قطر بشكل متناقض، ففي الملف الإيراني وهو الملف المهم للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، ما زالت قطر تقدم دعما لإيران من خلال التسويق لها ولمشروعها في قواها الناعمة، ومن خلال الدعم المالي للحوثي في اليمن وللتحالف أدلته على ذلك، ومن خلال دعم المليشيات المدعومة من إيران في دولة العراق الشقيق، وذلك بلسان دولة رئيس الوزراء العراقي بعد ضبط الطائرة القطرية والشنط الدبلوماسية في مطار بغداد وهي محملة بمئات الملايين من الدولارات في دعم مباشر وكبير لأدوات إيران في المنطقة.

ذهب المال القطري بعيدا إلى ليبيا، فلا يمكن أن تجدهم في دعم الحكومات الشرعية أو المدعومة دوليا، دائما يسير هذا النظام بشكل مخالف لمنظومة العمل الدولي، فكان المال القطري هناك ولكن للجماعات الإرهابية التي تقتل وتدمر يوميا شعب ليبيا ومقدرات هذا البلد الغالي، في مشهد محير للمراقب والمهتم بشأن الأمة العربية ومصيرها.

74 مليارا دفعتها قطر من سياق يخالف سياق لحمتها الخليجية والعربية لم ينعكس بشكل إيجابي على قطر كإنسان وكوطن. عمليات شراء الأصوات والإعلاميين والسياسيين وأهل الرأي والنفوذ استراتيجية ليس لها أرض صلبة تقوم عليها قطر للاستفادة من مخرجاتها على المستويين القريب والبعيد في أهداف بناء الإنسان القطري مع محيطه.

إن الهدف ليس بناء قطر وتنميتها ورفعتها مع امتدادها العربي، بل هو النيل من الجار والأخ والقريب والعربي في أمنه ومستقبله وهناء عيشه.

تدعم قطر محيطا بعيدا كدولة إيران وتركيا بعشرات المليارات، وتدعم أجندتها وأطماعها في دول المنطقة والشرق الأوسط، وفي المقابل تمتنع قطر - بناء على معلومات وصلتني من الجامعة العربية - عن دفع الـ 3% من نصيبها في ميزانية الجامعة العربية، في مشهد يلخص أن قطر مرتبكة وتبتعد بتصرفاتها وسلوكها عن الخليج والعمق العربي والإسلامي.

تتعامل دول كثيرة ومن بينها إيران وتركيا مع قطر كغنيمة وليس كتحالف له استراتيجية تغذيها مقومات الاستدامة. ليس لقطر كدولة وكوطن ومواطن إلا الخليج والمحيط العربي، الإنسان القطري يستحق أن يكون مصيره مصير الخليج ومصير العرب في الأمن المشترك والوحدة السياسة والاقتصادية التي تغذيها القيم الواحدة واللغة الواحدة والدين الواحد والأسرة الواحدة التي لن تجتمع إلا إذا كان القول والفعل متطابقين، تماما كما تعلمناه من قيمنا العربية الأصيلة.

DrAlolian@