ياسر عمر سندي

نون القسوة «للنساء فقط»

الأربعاء - 06 فبراير 2019

Wed - 06 Feb 2019

هن الأنيسات المؤنسات، وهن الرفيقات المرافقات، وهن الأسيرات الآسرات، وهن القديرات المقدرات من أمهات وزوجات وأخوات وبنات. وبأسبابهن نزلت سورة النساء، وأوصى عليهن سيد الأنبياء في حجة الوداع بمقولته «إن لنسائكم عليكم حقا»، و»استوصوا بالنساء خيرا»، و»رفقا بالقوارير». فحرف النون يجمع احتياجات الرجل النفسية والاجتماعية والأسرية؛ ويلعب أدوارا استراتيجية في حياته، تتمثل في أربع شخصيات أساسية ومؤثرة تشكل مراحل تطوره منذ ولادته إلى وفاته. وفي حال قسوة هذا الحرف يظهر معه الاختلال والاعتلال في الميزان القيمي للرجل من خلال سلوكيات سلبية سأقف عندها وأناقشها كلا فيما يخصها لهذه الشخصيات.

أولا تظهر قسوة النون للقلب الحنون وهي «الأم» من خلال التخلي عن جنينها وهو في بطنها وشعورها بتخلقه المتدرج مرحليا في أحشائها، فتهمله من خلال سوء تغذيتها وهو الاحتياج الرئيس والأولي للجنين أو ممارسة العادات السيئة كشرب الكحوليات والتدخين، أو من خلال التفكير في إجهاضه لمجرد أنه عبء أو شخص غير مرغوب فيه، ويأتي دورها القاسي أيضا بعد ولادته بعدم رعايته والاهتمام به، وتركه مع الخادمات يتولين أكله وشربه وتنظيفه وتربيته وتقريبه إلى قلبها وإشعاره بحنانها. وتظهر أيضا قسوتها على أطفالها بشتمهم وضربهم وإغفال عنصر «التربية بالنمذجة السلوكية» عليهم، خاصة للبنات، بحسب المثل المصري الشهير القائل «اقلب القدرة على فمها تطلع البنت لأمها»، فالواجب تربيتها على الألفاظ والأفعال والإيماءات والاحتشام في الملبس وطريقة التحدث، بأن تكون منتقاة وبعناية لأن الأطفال في مراحلهم الأولية والمتقدمة يلعبون دور الالتقاط السلوكي لكل ما تتحدث به أو تفعله الأم. وفي هذه المرحلة إن لم يأخذ الأطفال حقهم التربوي والاحتواء النفسي تعتبر الأم قاسية في حالها تجاه عيالها.

وقسوة النون الثانية تلعبها «الزوجة» شريكة الحياة وبهجتها، فهي النبض المتحرك والقلب المشارك والسكن والوكن لنفس وجسد الزوج، حينما يلاقي منها التمرد والنفور في حالتين هامتين؛ الأولى العصيان وعدم الطاعة له، والثانية في إهمالها لنفسها في شكلها وجسدها، وذلك بعدم التزين والتجمل الدائم والاستعداد لاستقبال زوجها وتوديعه وحسن التبعل والتودد والرحمة له أو عدم اهتمامها بنظافتها الشخصية والخاصة أو بإرهاق الزوج ماديا بطلباتها غير الضرورية فوق طاقته وقدرته، وبسوء أخلاقها وألفاظها معه أيضا، قال عليه الصلاة والسلام «خير النساء التي إذا أعطيت شكرت، وإذا حرمت صبرت، تسرك إذا نظرت وتطيعك إذا أمرت».

وقسوة النون الثالثة تجسدها «الأخت» بعدم اهتمامها بإخوتها وإهمالها لهم وعدم السؤال عنهم، فبر الأخت واجب وحق عليها في حال استطاعتها، قال تعالى «إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله..» طه الآية 40. فهذه أخت موسى عليه السلام تراقب أخاها حينما ألقته أمه في اليم وخفق قلبها ورق على أخيها لتحرسه بعينيها وقلبها ومشاعرها لتقتفي أثره وتدل على من يرضعه، بدافع الشفقة والمحبة، وهذه المشاعر الأخوية لا تتحرك عبثا، بل هي مكنونة في الوجدان، فالأخت لها حنو خاص وميزة نادرة يشعر بها الأخ، فهي الظل الظليل وشفاء القلب العليل وتبذل لأخيها المستحيل. فالأخ يتباها بأخته ويرفع بها رأسه، وفي حال بعدها وهجرها تعتبر قسوة منها عليه.

أما القسوة الرابعة للنون فتكون تجاه أبيها، وتكمن في هجرها لوالدها وإغضابه بنكران فضله وعقوقها له بجفوتها وعدم رعايتها له. الابنة سعادة أبيها وقرة عينه وعزته ومصدر قوته ونظرته الإيجابية للحياة، والتي بوجودها يشعر الأب بثلاث شخصيات في شخصية واحدة، هي حنان الأم وود ورحمة الزوجة وبر ورفق الأخت، حيث كان عليه الصلاة والسلام يعتز بفاطمة رضي الله عنها، ويقوم لها حينما تدخل عليه ويقبلها بين عينها ويجلسها مكانه اعتزازا وفخرا بها، ويمتد حب البنت أيضا إلى أبنائها، أي أحفاد الأب تقديرا لابنته وحبا لها.

فهذه الشخصيات الأربع الرئيسة هي مصدر سعادة الرجال، وفي حال تبدل الحال وتغير القلب الحنون وانعدام الحب المكنون يتحول المضمون ويقسو معه حال النون.

@Yos123Omar