محمد حطحوط

حالة الخوف

السبت - 26 يناير 2019

Sat - 26 Jan 2019

هناك حالة خوف داخل بعض الجهات الحكومية.. خوف من تويتر، خوف من الأخطاء، خوف المسؤول من الإقالة، صنعت داخل المنظمات الحكومية حالة خوف جعلتها ترفض الأفكار الجديدة، والخروج عن النسق التقليدي. سأضرب مثالين صغيرين يشرحان الفكرة: وزارة الإعلام لديها قسم خاص اسمه الإعلام الخارجي، مهمته الرصد والتفاعل والرد على الإعلام الدولي، في وسائل التواصل الاجتماعية وغيرها من المنصات. سألت شابا يعمل هناك وهو واع ومثقف ويفهم اللعبة السياسية الدولية، عن سبب الحضور الباهت للإعلام الخارجي، فأجاب: لدينا حالة خوف من الأخطاء، ولهذا عندما يصل وسم ضد السعودية للترند الدولي، لا نستطيع المشاركة في ذات الوسم، لأن هناك نظرية - أختلف تماما معها - ترى عدم المشاركة في أي وسم مسيء! وهذا مع كل أسف السر خلف أن السعودية هدف دولي سهل، لأننا في غالب الأحيان نفضل السكوت، أو نرد في منصات يتابعها سعوديون فقط! حالة الخوف من الخطأ، الخوف على كرسي المنصب، الخوف من المجهول، ولدت بيئة فيها جمود وحضور دولي باهت. صحيح أن الوزارة وهذه كلمة حق شهدت تغييرا كبيرا في فترة الوزير الماضي، وأتمنى أن يستمر الحراك مع الوزير الحالي، ولكن يتطلب ذلك تطمينا من أعلى الهرم بكل وزارة لبث روح الاستكشاف ونشر ثقافة تقبل الأخطاء والتعلم منها، وتحويلها إلى لحظات للتعلم.

المثال الآخر لحالة الخوف هو وزارة التعليم: في كل جامعات العالم، يستطيع الأستاذ الجامعي إحضار ضيف لطلابه يتحدث لساعة حول موضوع يخدم محتوى المحاضرة، وغالبا يكون الضيف له ارتباط وثيق بالفكرة المطروحة، وهذا لتقليل الفجوة بين الجامعة والسوق، خصوصا في تخصصات مثل التسويق وإدارة الأعمال. حول العالم لا يحتاج الأستاذ الجامعي أخذ أي موافقة، لكن هناك ميثاق يعرفه كل عضو هيئة تدريس من الشروط التي لا بد من توفرها في كل ضيف، ويحاسب الأستاذ الجامعي عند مخالفته لهذه الشروط، ولكن له الصلاحية في إحضار أي شخصية في المجتمع يلتقيها طلابه لتعزيز تعلمهم داخل قاعة الدراسة.

في السعودية وحتى تحضر ضيفا لن يستغرق ساعة من الوقت، تحتاج لموافقة رئيس القسم ثم عميد الكلية، ثم مدير الجامعة! هذا مثال آخر على حالة الخوف وعدم الثقة في رجل - مثل عضو هيئة التدريس - وصل أعلى مراتب التعلم، إن لم تثق فيه.. ففي من تثق؟ أتفهم تماما الأبعاد الأمنية، ولكن من الخطأ أن تعاقب 99% من مجتمعك بجريرة 1%! هذا تعطيل للتنمية والجهود، وهناك ألف حل وحل، لضمان البعد الأمني. بل أصبح البعد الأمني شماعة تقصير لبعض الوزارات! مثال: هناك منظمات أهلية وتعاونية تنتظر تصريحا من وزارة العمل لسنوات، وعند السؤال تجيب الوزارة: ننتظر الرد من وزارة الداخلية! وعندما سؤال الداخلية، وهي من أفضل الوزارات تقنيا وفي سرعة خدمة العملاء، تم اكتشاف أن الأمر لم يصل للداخلية والتقصير من العمل! وبلغني من مصادر خاصة أن هناك تفاهما داخليا لحل هذه المشكلة مع العمل، ونرجو أن يمتد الأمر لباقي الوزارات ليكون المواطن على بينة.

في علم الإدارة، مهمة القائد بناء الثقة، ونشر ثقافة تضمن بروز المبدع، تقبل الأخطاء وتسامح الهفوات غير المقصودة، من أجل رقي هذا الوطن ونموه في نهاية المطاف، وزارة الصحة والتجارة مثالان إيجابيان لهذا، حيث شاهدنا مؤخرا حملات تسويقية وأفكارا إبداعية خارج الصندوق، ووزارة الاتصالات في بداية هذا الطريق الجميل.

mhathut@