مي محمد الشريف

فنزويلا بين رئيسين

الجمعة - 25 يناير 2019

Fri - 25 Jan 2019

ثروة نفطية ضائعة، حصار وعقوبات اقتصادية، تدخلات أمريكية، فساد حكومي، نقص في المواد الغذائية والأدوية، أسباب عديدة أدت إلى سقوط فنزويلا في أزمة سياسية اقتصادية، وسط غضب شعبي وتضخم غير مسبوق، مما دفع أكثر من ثلاثة ملايين من السكان إلى الهجرة وخروج البقية إلى الشوارع في مظاهرات غاضبة لما يحدث في بلادهم. هذا هو المشهد السياسي الحالي لدولة تمتلك أكبر احتياطي نفطي في العالم بنسبة 20.4% من إجمالي احتياطي العالم ويحكمها في الوقت الحالي رئيسان.

بدأت الأحداث مع نزول الفنزويليين إلى الشوارع العامة غاضبين، مطالبين الرئيس مادورو بالتخلي عن السلطة، متهمين حكومته بالفساد والتلاعب في انتخابات 2018 التي تمت مقاطعتها بشكل واسع بعد رفض المجلس الانتخابي لأحزاب المعارضة الترشح.

فاز الرئيس بولاية رئاسية ثانية مدتها ست سنوات، وانقسمت البلاد وتصاعدت الاحتجاجات بين مؤيدي الحزب الحاكم بقيادة الرئيس، ومعارضين بقيادة البرلمان ورئيسه خوان جوايدو الذي أعلن مؤخرا أنه الرئيس المؤقت لدولة فنزويلا، بعد اعتبار فترة الولاية الثانية لمادورو غير شرعية، فخطب خوان جوايدو أمام الآلاف من مؤيديه في كراكاس بأنه «يتحمل رسميا مسؤولية السلطة التنفيذية للبلاد» بدلا من مادورو، مضيفا أنها «الطريقة الوحيدة لإنقاذ البلاد من الديكتاتورية».

ولم تمض ساعات قليلة من إعلان خوان جوايدو حتى سارعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول عدة في أمريكا اللاتينية إلى الاعتراف بالرئيس الجديد، في حين أعلنت دول مثل روسيا وتركيا دعمها للرئيس مادورو. وما زالت القوات المسلحة الفنزويلية والمحاكم الفنزويلية موالية لنظام مادورو.

التدخلات السياسية الأمريكية ضد الرئيس مادورو واضحة، وعلى الرغم من تخلي الولايات المتحدة عن أسلوب الانقلابات العسكرية التي كانت تديرها المخابرات الأمريكية، كما حصل في تشيلي والبرازيل والأرجنتين وغيرها من الدول اللاتينية، إلا أنها لجأت اليوم إلى أساليب تبعدها عن الساحة ولا تشوه سمعتها عبر الاقتصاد، حيث فرضت أمريكا عقوبات اقتصادية على إدارة مادورو، وزاد إثرها معدل الفقر وارتفاع الحنق الشعبي. كما لجأت إلى وسائل التواصل ومراكز الأبحاث وأحزاب المعارضة ورجال الأعمال للعمل في إطار موحد بهدف تشويه سمعة الأنظمة الحاكمة المقصودة، ومن ثم التحريض عليها، ويثور الشعب إثر ذلك ويجري تحريكه بطريقة غير مباشرة مع الأحزاب المدعومة للإيحاء بعدم شرعية الأنظمة المستهدفة. وقد تتحرك الإدارة الأمريكية في نهاية الأمر كمنقذ للشعب، كما يحدث اليوم مع الدعم الأمريكي للرئيس الفنزويلي خوان جوايدو.

هناك أسباب عدة للتدخلات الأمريكية في فنزويلا، أهمها رغبة الحكومة الأمريكية في القضاء على القوة اليسارية اللاتينية التي تربط علاقتها الاقتصادية مع قوى عالمية أخرى مثل الصين وروسيا، بعيدا عن نفوذ الحكومة الأمريكية. ومن الأسباب الأخرى علاقة فنزويلا بإيران وإعلان طهران الأخير نشر جيل جديد من السفن الحربية في المياه الفنزويلية، والذي يعد تغيرا في التوازن الجيوسياسي في المنطقة، ويشكل قضية أمنية وتهديدا للولايات المتحدة. كذلك حرص الإدارة الأمريكية على اعتماد التبعية الاقتصادية في أمريكا الجنوبية والذي نجحت فيه بجدارة، وساعد في تخبط الدول الجنوبية وفساد الحكومات ومنع إحداث أي تنمية حقيقية، مما حقق السيطرة الأمريكية على اقتصاد معظم تلك الدول.

أما ما يحدث في فنزويلا، فتدخلات أمريكا مستمرة، ولا تزال الكلمة الأخيرة بيد الشعب والجيش.

ReaderRiy@