أفنان محمد حياة حياة

دور المؤسسات الاجتماعية في إيجاد الحلول والحد من المشاكل

الثلاثاء - 15 يناير 2019

Tue - 15 Jan 2019

استكمالا لما كتبته بالمقال السابق «قضية رهف وتصفية الحسابات»، أرى أن تكرار قضايا الهرب تعني أيضا وجود مشكلة حقيقية ليست مقتصرة على قضية الهرب فقط، ولا يمكننا أن نلقي اللوم كليا على الفتاة الهاربة، ففعلها ما هو إلا رد فعل لأمور أخرى ربما لا تكون ظاهرة بشكل دقيق، مما يصعب علينا عملية التحليل المنطقي للقضية منذ نشوئها حتى آخرها، فلا يوجد بالطبع مجتمع أفلاطوني ولا مدينة فاضلة، وكل المجتمعات مهما بلغت من التقدم والتأخر تعاني من مشاكل اجتماعية مختلفة، ولكن الفرق يكمن في كيفية إيجاد حلول منطقية وسريعة لهذه القضايا.

تعاني مجتمعاتنا أيضا من قضايا عدة تخبو وتعود لتظهر على السطح بين الفينة والأخرى، وظهورها مجددا يعني أنها لم تجد حلولا كافية حتى الآن، لذلك تعود للظهور مجددا، مثل قضايا العنف الأسري، والهرب، والشذوذ، وغيرها من القضايا التي هي بحاجة إلى مؤسسات اجتماعية تحاول قياس المشكلة وإيجاد المسببات، ومن ثم تضع توصيات وحلولا حتى لا تصبح ظاهرة ويصعب احتواؤها لاحقا.

لا يمكن أن نتعامل مع القضية على أنها قضية فردية ومعالجتها على هذا الأساس، فمن خلال مشاهدة العديد من التعليقات والقصص التي تؤيد هرب الفتاة (إذا استثنينا منها الأصوات الخارجية الراغبة في التأجيج فقط) نجد أن هناك مشكلة حقيقية، ربما ليست ظاهرة بشكل كلي للعلن، لكن محاولة تأييد فعل كهذا لها بالتأكيد أسباب دافعة مرتبطة بشكل كبير بالبيئة المحيطة بهؤلاء الفتيات المطالبات بحقهن في اختيار حياة كريمة تناسب تطلعاتهن للمستقبل وتحقيق أحلامهن.

وهنا يأتي دور المؤسسات الاجتماعية المستقلة التي تستطيع أن تقف خلف مسببات الهرب ومحاولة الوصول للفئات المطالبة، ولكن بطريقة تضمن لهن بيئة سليمة للمحافظة على الأسرار، دون قمعهن أو تقييد حريتهن، فليس من الضروري أن تكون الفتاة المنشقة على غلط دوما، ويمكن أن تكون الأسباب أسرية ناجمة عن تسلط أفراد العائلة أو سلب حقوقها.

وحين ننظر إلى مثل هذه الأسباب فإنها بسيطة ويمكن معالجتها بالتدخل في الوقت المناسب، فعدم وجود جهات تؤمن للفتيات بيئة سليمة لرفع الشكوى يدفعهن للبحث عن حلول ربما لا تكون سهلة وعواقبها وخيمة، دون إدراك منهن لما ستؤول إليه الأمور لاحقا، فالحلول الخاطئة لا يمكن وبأي شكل أن تحل المشكلة إلا بمشكلة أخرى، مما سيزيد الأمر تعقيدا، ومن ناحية أخرى لا بد لهذه المؤسسات من أن تكون لها السلطة في التدخل، فجميعنا يعرف أهمية الأسرة لدينا وقدسيتها، ولا يمكن لأطراف متعددة الدخول في هذه الدائرة ما لم تكن شكوى رسمية، فمن يستطيع مثلا ردع الأب الذي يسلب حقوق ابنته؟! وما الذي سيحصل إن منعت هذه الحقوق ولم تستطع تقديم شكوى رسمية للجهات المختصة؟!

في الحقيقة وخلال دراستي بالولايات المتحدة الأمريكية وجدت أن دور الأخصائيين الاجتماعيين يتعدى كونه جانبا توعويا فقط، ويشترك في الإبلاغ عن الإساءة كل أفراد المجتمع، سواء الأستاذ، أو الجار، أو حتى صاحب البقالة، ففي حال مشاهدتهم لأي حالة عنف أو حتى ملاحظتهم لفعل يتم إبلاغ الجهات لمتابعة الحالات.

وهذه الجهات لا بد أيضا أن تقوم بإعادة تأهيل الفئات المتضررة نفسيا ودمجهم مجددا بالمجتمع بطريقة تضمن عدم تضرر مستقبلهم، والاستفادة منهم ومحاولة صنع شخصياتهم المستقلة بشكل إيجابي ومفيد للمجتمع، إضافة إلى ذلك لا بد أن تكون هناك دراسات شاملة عن للأسباب والمسببات بطريقة علمية لوضع حلول قصيرة وطويلة الأمد بشكل دقيق وعلمي، ووضع التوصيات ورفعها للجهات المختصة لضمان توفير البيئة السليمة لجميع أفراد المجتمع.

afnan_hayat@