عبدالحليم البراك

المجاملة الالكترونية

الاثنين - 14 يناير 2019

Mon - 14 Jan 2019

في مجلس ما، تبدو منشغل البال، ويجلس بجوارك شخص غير لطيف، يضغط على رأسك الصغير بقصص لا تدخل ضمن نطاق اهتمامك الشخصي، تقول له: أها، وتردف: أمممم، وتضيف: أيوه. ثم تخجل من نفسك، وتقول: صحيح كلامك. ولا تدري أصلا ما قال، فتكتشف أنه غير مهتم برأيك، هو مهتم بما يقوله فقط، فتتشجع وتفتح هاتفك المتنقل، ويكمل حديثه، تقرأ في تويتر، وتستعرض الإيميل، وتمسح عددا من الصور التي لا تحبها من هاتفك، وهو لا يزال يهذر فوق رأسك، فيسألك: أنت معي؟ فتقول له (تسليكا) نعم. ويواصل وتواصل الكلمات نفسها: أها، أممم، أيوه.. إمعانا منك في التسليك، وقد تكون عنيفا جافا معه فتغادر مكانك نحو مكان آخر.

هذا على مستوى الحياة اليومية، أما التسليك الالكتروني فهو حياتنا الأخرى التي نتبادل فيها الحديث مع الآخرين الكترونيا فيسلك لنا، أو نسلك له ببعض الطرق، وبحسب نوع التطبيق الذي نستخدمه، وبهذا نكون نقلنا التسليك العادي إلى التسليك الالكتروني، وهو لا يختلف كثيرا عن السابق، وهذه بعض أشكاله:

- في سناب شات يعتبر فتح (السنابة) مرتين نوعا من المجاملة اللطيفة، ويعني اهتمامك بالمرسل، أما فتح السنابة لمرة واحدة فهذا دليل على أنك غير مهتم بالمحتوى، لكنك تجامل، أما من لا يفتح سنابتك، فهذا هو الجفاف في التعامل.

- في تويتر هناك مجاملات لطيفة هي الأخرى، فكلما رتوت لك أحدهم تقوم فترتوت له، وكلما وضع إعجابا لك تضع إعجابا له، أما إن أرسل لك رسالة على الخاص؛ وهي عبارة عن إحدى تغريداته، فمن المجاملة أن تضع رتويتا، أما إن وضعت إعجابا فهذا يعني تسليكا في المنتصف، بينما إن لم تضع شيئا فهي رسالة ضمنية أن هناك مشكلة ما في التواصل بينكما، أو ربما هو زاد من كمية إرسال التغريدات على الخاص، بقي أن نشير إلى أن الإعجاب الحقيقي بك والمتبادل مع صاحبك هو: (رتويت مع إعجاب)، وهذا يعني قمة العناق في التواصل الالكتروني.

- في المحادثات الالكترونية في برامج التواصل الاجتماعية بشكل عام، إن وضع الصورة التعبيرية (ضحكا، أو حزنا، أو تعجبا)، هو نوع من المجاملات (والتسليك) الالكتروني، وأحيانا نضع (ههههه) وهي عبارة عن انسحاب تكتيكي من المحادثة، وكذلك نفس عباراتنا اليومية مثل: أها، أمممم وغيرهما لو تحولت من النطق للكتابة!

أما على صعيد الجفاف في التعامل، فهناك أشياء الكترونية كثيرة، منها:

- الرد الصريح بما لا يروق لك، فهذا نوع من الجفاف الالكتروني، كأن تعرفه شخصيا ولا يتفق معك في وجهة نظرك، وهو لطيف للغاية في الطبيعة ووجها لوجه، لكنه عنيف في ردوده عليك أمام الناس في تويتر وغيره، وهذا يعتبر (قلة ذوق) منه يستلزم أن في الخاطر شيئا.

- شخص يتابع آخر، ثم يقوم المتابَع، بحظر الشخص، ثم فك الحظر عنه، والهدف إلغاء متابعته، أيضا يعتبر من الشدة في التعامل الكترونيا.

- عندما يرسل أحدهم رسالة في الواتس اب، فإن الآخر يقوم بقراءتها ثم لا يرد، رغم أن كل الإشارات تشير إلى أنه اطلع عليها، وقرأها وأخذ الوقت الكافي للتفكير فيها، فهذا نوع من عدم اللياقة الالكترونية، بل إن أحدهم يرسل رسالة صوتية، فينصت الآخر لها تماما ولا يرد!

أخيرا، استطعنا أن ننقل مجاملتنا، وعيوبنا، ومشاكلنا و(تسليكنا) وعدم لياقتنا في السلوك الاجتماعي إلى منصات التواصل الاجتماعية لأن الإنسان خلق الآلة، وخلق معها سلوكه، فلم تطورنا المنصات، بل طورناها حسبما نريد!

Halemalbaarrak@