ناصر الهزاني

تطوير الخطاب الإعلامي السعودي.. ضرورة مؤجلة تنتظر البدء وتقتضيها المرحلة

السبت - 05 يناير 2019

Sat - 05 Jan 2019

مع إحراز المملكة العربية السعودية تقدما في برنامجها الإصلاحي الذي يهدف إلى التطور في مختلف المجالات كي تكون السعودية دولة قوية متسلحة بكل ما تتطلبه المرحلة المقبلة من تغيرات متسارعة على المستوى الإقليمي والدولي والعالمي، وحتى تستكمل الإصلاحات السعودية نجاحها وتكون لخطواتها المتوثبة فعاليتها وتأثيرها على أوسع نطاق، لا بد أن يتزامن ذلك مع إصلاح الخطاب الإعلامي السعودي المحلي والخارجي الموجه للعالم، فإذا لم نملك إعلاما محليا لديه الإيمان والقدرة المهنية والعقلية الذكية غير التقليدية القادرة على توصيل تلك الإصلاحات وشرح تفاصيلها للمواطن أولا لأنه حجر الزاوية، فإن النتائج لن تكون متساوية مع حجم الأعمال الطموحة المنجزة، وهذا بالتالي سينعكس على قوة حضورنا الإعلامي خارجيا.

إن صورة السعودية الجديدة الخارجية في العالم بما تملكه من قوة اقتصادية وسياسية مؤثرة ومتصاعدة لم تعد تتناسب مع الإعلام الحالي الذي يغلب عليه الأسلوب التقليدي المعتمد على نشر تصريحات المسؤولين بطريقة تميل إلى التضخيم والمبالغة في المديح، ولا سيما في ظل التطورات المتسارعة في مجال صناعة الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعية.

مكانة المملكة ودورها الإقليمي والدولي المؤثر ونفوذها الاقتصادي والاستراتيجي لا بد أن يواكبها إعلام قوي وجهاز طموح لديه الحماس لنقل رسالة السعودية الجديدة وقيادتها إلى العالم.

لقد كان للمملكة تجربة إعلامية رائدة قبل أربعة عقود، استطاعت خلالها أن تحقق الحضور الواضح، ولا سيما في العالم العربي، حيث تبنت مشروع صحيفة الشرق الأوسط عام 1978 لتكون الصحيفة العربية الثانية التي تصدر من لندن بعد صحيفة العرب، ومع بداية التسعينات الميلادية من القرن الماضي ومع التطورات والتحول إلى عصر جديد حيث دخلت القنوات الفضائية وانتشرت في العالم العربي، كانت السعودية حاضرة في المشهد الإعلامي بظهور قناة (إم بي سي) التي لا تزال من أكثر المحطات مشاهدة عربيا، وفي بداية الألفية الجديدة وفي ظل تحولات الإعلام وتغيرات المشهد الإعلامي وبروز القنوات الإخبارية وتصدرها لنقل الأحداث وتحليلها، أطلقت المملكة قناة العربية كي تحتل موقعا في فضاء ملي تتزاحم فيه قنوات إخبارية عدة.

وتأتي إعادة تشكيل مجلس الوزراء الأخيرة وتعيين وزير جديد لحقيبة الإعلام تأكيدا للرغبة الملحة للقيادة السياسية في المملكة في تطوير الخطاب الإعلامي السعودي ومنظومة الإعلام ككل، وضرورة إصلاح الخلل في المؤسسات الإعلامية والأجهزة المنضوية تحت مظلة الوزارة، وهي فرصة مواتية للوزير الجديد القادم من خلفية إعلامية والمدرك لمتطلبات المرحلة وتحدياتها والتغيرات المتسارعة في عالم صناعة الاتصال اليوم، وما يجب أن تحظى به المملكة من حضور يوازي مكانتها العربية والإقليمية والعالمية.

إن الوضع الذي تشهده المنطقة حاليا وما تواجهه السعودية من تحديات مختلفة عن السابق في شكلها ومضمونها، يتطلبان العمل على إعادة صياغة خطابنا الإعلامي ليوازي حجم تلك التحديات، ويلبي الطموحات والتطلعات للسعودية الجديدة، ويمكن ذلك عبر الآتي:

01 الركون إلى وسائل التواصل وحدها لا يتناسب مع حجم الإصلاحات السعودية

• لا بد أن نعي أن الاعتماد على منصات التواصل الاجتماعية كنافذة إعلامية وحيدة كونها تملك تأثيرا وجماهيرية واسعة وإغفال الاستثمار في وسائل ومجالات الإعلام الأخرى لا يتناسبان مع حجم الإصلاحات والطموحات التي تعمل السعودية على تحقيقها، ولا سيما إذا أدركنا أن وسائل التواصل في جانب منها ذات طبيعة انطباعية تميل إلى إطلاق الموضوعات بشكل عام، وربما سطحي أحيانا، مع تضخيم الحدث والمبالغة، مما يدفع مسار التناول الإعلامي إلى الدخول نحو معارك جانبية لا تخدم الرسالة المراد توصيلها للجمهور، ويفوت الفرصة أحيانا في تحقيق الهدف المنشود.

• العمل على تنويع قنوات نشر الخطاب الإعلامي السعودي وتوصيل رسائله عبر أساليب متعددة وطرق متنوعة، من خلال وسائل الإعلام التقليدية المعروفة، إضافة إلى مواقع التواصل، وذلك باستثمار مميزات كل وسيلة اتصالية.

02 ضرورة إنتاج محتوى يوازي ارتفاع الوعي لدى الجمهور

• إعادة إنتاج وصياغة محتوى جديد من حيث الشكل والمضمون يتناسب مع ارتفاع مستويات الوعي بين شرائح الجمهور في المنطقة، إذ إن الاعتماد على أساليب دعائية قديمة لم يعد لها قبول في عالم اليوم ولدى الجيل الحالي يعد تضييعا للوقت ولا يخدم أهداف المملكة الاستراتيجية العليا.

03 أداء الإعلام الداعم للمملكة خارجيا لا يوازي المواقف الحاسمة للقيادة السعودية

• من الملاحظ أن الإعلام الداعم للمملكة خارجيا والذي من المفترض أن يكون متسقا مع حجم التحديات والطموحات لا يوازي المواقف الواضحة والحازمة للقيادة السياسية السعودية تجاه عدد من الملفات المهمة، منها مواجهة التدخل الإيراني وأذرعه المختلفة، في ظل تصدر خطابات تسود بعض دول المنطقة تتبنى رفع شعارات أيديولوجية وأوهام قادت عددا من الدول نحو الخسائر والدمار والصدام الذي انتهى بها إلى التراجع والتخلف عن ركب التطور والنمو.

04 الانفتاح على الإعلام الغربي والتحاور معه حول قضايا المنطقة

• ضرورة الانفتاح على الإعلام الغربي والتحاور معه بشأن الموضوعات والقضايا التي تهم المنطقة، لأن تركه وعدم فتح جسور التواصل معه سيعطيان الفرصة لقوى ومنظمات تتصيد وتشن هجمات عبر حملات علاقات عامة ممنهجة تسعى للنيل من سمعة المملكة وقيادتها والإساءة لصورتها في المجتمع الغربي.

• العمل على استثمار الثقل المالي والاستثماري والثقل العالمي النفطي للسعودية كي تكون حاضرة بقوة في الإعلام الغربي، ولا سيما أنها تتمتع بعلاقات متميزة مع جميع الدول والقيادات فيها مع وجود المصالح المشتركة.

05 تفكيك المفاهيم وفهم المنطلقات

• ضرورة دراسة المواقف المعادية للسعودية في الإعلام الغربي وتفكيكها وفهم المنطلقات التي من خلالها تشن الحملات المعادية للمملكة، ومن ثم العمل على بناء خطط إعلامية مدروسة تراعي الجوانب النفسية والاجتماعية وتخاطب جوانب وزوايا مهمة لدى المواطن وصانع القرار الغربي لصناعة الصورة الذهنية الإيجابية عن المملكة، وتبديد الصورة النمطية التي تحاول بعض وسائل الإعلام الغربية تبنيها ونشرها عن السعودية، لذا من المهم استثمار النفوذ السعودي الذي يتمتع بعلاقات متينة مع مؤسسات المجتمع المدني في الدول الغربية.

• لعل من الأمثلة البارزة على ذلك ما تقوم به بعض وسائل الإعلام الغربية والمدعومة من جهات وقوى معادية للسعودية وللتحالف العربي باستغلال حرب اليمن لتضخيم الأحداث اليومية وإثارة الضجة، حيث تستغل أخطاء صغيرة، لشن هجوم منظم على التحالف العربي وعلى السعودية، من خلال استخدام العواطف والبكائيات على حقوق الإنسان، في الوقت الذي يغض فيه هذا الإعلام الطرف عن الخطر الإيراني والتهديد المحدق ليس بالمنطقة فحسب، بل وبمصالح دول غربية بارزة. في المقابل يغيب الحديث عن حقوق الإنسان عندما يتعلق الموضوع بجرائم ارتكبت ترتقي لتكون جرائم حرب، وملفات كثيرة عن انتهاكات صارخة في دول كسوريا والعراق، والسبب أن المنفذين ليسوا من السعودية، لذا يتم التغاضي عن تلك الأحداث المهمة بهدف ابتزاز المملكة وتشويه صورتها.

• لا بد من استثمار مصادر القوة التي تتمتع بها السعودية، لأن ما يحصل من هجمات إعلامية متواصلة ضد المملكة هو في أحد جوانبه نتيجة لغياب النفوذ الإعلامي السعودي في الإعلام الغربي، وعدم الاستثمار الصحيح والأمثل لهذا النفوذ، لأن التعاطي الحالي مع بعض وسائل الإعلام في الغرب لا يقوم على التركيز على الثقل الكبير للسعودية كدولة لها حضور ونفوذ واسعان، إذ إن شراء ود الأصدقاء والتعاطي على هذا الأساس كما تفعل بعض الدول لا يمكن البناء عليه، ولا يستند إلى استراتيجية مؤثرة وفاعلة يمكن من خلالها تحقيق الأهداف والنتائج المنشودة لإبراز صورة السعودية الجديدة بشكلها الصحيح في الإعلام الغربي.

06 كي تكون الرياض بؤرة الاهتمام العالمي

• لا بد على المخططين الذين يعملون على إعادة بناء الخطاب الإعلامي السعودي أن يدركوا حجم التحديات التي تواجهها المملكة والثقل الكبير لها، نتيجة كونها المشروع العربي المتماسك والكبير الذي يواجه حاليا مجموعة متداخلة من المشاريع الإيرانية والطائفية ومن قوى ودول لا تريد الخير والاستقرار للمنطقة، لذا فهي تتربص بالسعودية في كل لحظة وتستغل كل حدث لتصنع منه هالة إعلامية تقولب من خلالها الحقائق وتزيف المعلومات وتقدمها للرأي العام الدولي. وهذا يتطلب أن يكون خطابنا الإعلامي ديناميكيا متطورا بشكل سريع ومتأقلما مع التحديات وقادرا على مواجهتها.

07 إنشاء مشاريع إعلامية ذات بعد استراتيجي لإرباك الخصوم

• من المهم العمل على إنشاء مشاريع إعلامية ذات بعد استراتيجي لإرباك الخصوم وتحويل دفة المعركة القائمة على الحملات الإعلامية الموجهة ضد المملكة إلى ملعبهم، بدلا من ردود الأفعال والجري وراء تبرئة المواقف، في الوقت الذي يدرك فيه الجميع أن ما يحصل حاليا ضد المملكة يصب في خانة تصفية الحسابات ولا يتبنى الحقيقة ولا حقوق الإنسان، وأن هذه مجرد شعارات تستخدم لاستدرار عواطف الرأي العام الدولي والحصول على بعض المكاسب.

• لقد كان الهجوم الممنهج على السعودية الجديدة واضحا خلال قضية المواطن جمال خاشقجي رحمه الله، حيث استغلتها دول ومنظمات، وتم الحكم فيها «مقدما» من خلال توجيه الرأي العام نحو وجهة نظر واحدة عبر شاشات الفضائيات وعبر منصات التواصل الاجتماعية، حيث تعدد قضاتها شرقا وغربا، والهدف بينهم واحد هو استهداف المملكة وإدانتها وإلصاق التهم بها، يأتي هذا في ظل عدم امتلاك الإعلام السعودي القدرة على تقديم روايته بشكل صحيح. كما أن وسائل الإعلام والأذرع الإعلامية التي دعمتها المملكة كان من المفترض عليها الوقوف مع السعودية في وجه الهستيريا واسعة النفوذ في الإعلام الغربي، حيث لم تقدم ما يخدم المصالح السعودية، وكانت دون المأمول في التعاطي مع الحملات الإعلامية الموجهة في مقابل إعلام دول وقوى إقليمية ودولية عملت على الضخ الإعلامي المستمر تجاه السعودية، واستخدام استراتيجية التسريب الإعلامي.

08 إعادة النظر في استراتيجية الاستقطاب وتوجيه الاعتمادات لمشاريع ناجحة

أهمية إعادة النظر في استراتيجية الاستقطاب والتأثير السعودية وتوجيه الاعتمادات الكبيرة والدعم نحو مشاريع تخدم الخطاب الإعلامي السعودي الجديد، متسقة مع الرغبة القوية والملحة لفرض الحضور السعودي في المشهد الدولي، بما يتماشى مع حجم المملكة الاقتصادي والنفطي والاستراتيجي ويخدم مصالحها المشتركة، وهذا يتطلب تغييرات مهمة في الأساليب، والأولويات، واختيار القيادات والكوادر المهنية المتخصصة.

09 استيعاب الخطاب الإعلامي الجديد للتحولات الكبرى

• من المهم أن يستوعب الخطاب الإعلامي السعودي الجديد التحولات الكبرى التي تشهدها المملكة، وتوضيح أبعاد وطبيعة هذه التحولات للرأي العام المحلي والعالمي.

10 تضافر الجهود وتكاملها

• إن مسؤولية إعادة بناء الخطاب الإعلامي ونشره لا تقع على الجهات الرسمية فحسب، بل من المهم أن يؤمن به كتاب الرأي وكل الفعاليات والمكونات المجتمعية المختلفة، كي تتماشى جميعها نحو توصيل رسالة السعودية وصورتها للداخل والخارج.

11 إشراك الشباب وتشجيعهم

• من المهم في إطار إعادة بناء الخطاب الإعلامي إشراك الشباب وتشجيعهم على إنتاج خطاب بديل يناهض الأفكار الدخيلة والمتطرفة من خلال استثمار منابر الحوار وتطويرها لمساعدتهم على إبداء آرائهم، والمشاركة في صياغة اهتماماتهم ضمن الخطاب الإعلامي الكلي.

• إن انفصال المؤسسات الإعلامية الرسمية عن اهتمامات المجتمع وحركة الجمهور داخله يؤدي في النهاية إلى انفصامها عنه، ويحدث حالة من انعدام التوازن والثقة بما تقدمه من محتوى، وهذا بدوره يؤدي إلى أن يستقي الجمهور معلوماته من مصادر إعلامية متعددة تحمل كل واحدة منها أجندة ومصالح خاصة تسهم في تشكيل المعلومات وتزييف الحقائق.

• ضرورة إنشاء وتفعيل دور مراكز دراسات وأبحاث سعودية تعمل على توفير المعلومات واستطلاعات الرأي العام في مختلف القضايا.

• أهمية التأكيد على احترام خصوصيات المجتمعات والحضارات والثقافات المتنوعة، وترسيخ قبول الحوار الحضاري مع الحضارات الأخرى والاستفادة من النقاط المشتركة.

12 توظيف الفسيفساء والتنوع الثقافي

• أنسنة الخطاب الإعلامي بالتركيز على تنمية الفرد السعودي، فهو محور اهتمام القيادة السعودية التي تؤكد دائما في كل محفل ومناسبة على ذلك، ولا سيما أن المملكة تحظى بفسيفساء وتنوع ثقافي يعد مصدر قوة إذا أحسن استخدامه وتوظيفه بشكل صحيح ربما يفوق تأثير النفط.

• من المهم الاستفادة من تجارب الأصدقاء لبناء استراتيجية طويلة المدى كي تكون الرياض ليس عاصمة للإعلام العربي فحسب، بل في بؤرة الاهتمام الإعلامي العربي والعالمي، قولا وفعلا، بما تستحقه وما تملكه من ثقل عالمي واسع النطاق. وليس من الصعب تحقيق هذا الهدف إذا عملت الجهات المعنية في المملكة وتضافرت جهودها لبناء استراتيجية طويلة المدى.

كيف؟

  • تنويع قنوات نشر الخطاب الإعلامي السعودي، وإنتاج محتوى يوازي ارتفاع الوعي لدى الجمهور

  • الانفتاح على الإعلام الغربي ودراسة المواقف المعادية فيه وتفكيكها

  • استثمار الثقل المالي والاستثماري والنفطي للسعودية

  • إنشاء مشاريع إعلامية ذات بعد استراتيجي تربك الخصوم وتخدم السعودية الجديدة

  • تضافر الجهود وتكاملها، وإشراك الشباب وتشجيعهم

  • إنشاء مراكز دراسات وأبحاث سعودية توفر المعلومات واستطلاعات

  • الرأي العام في مختلف القضايا

  • احترام خصوصيات المجتمعات والحضارات والثقافات المتنوعة

  • التركيز على تنمية الفرد السعودي، والاستفادة من تجارب الأصدقاء لبناء استراتيجية طويلة المدى




@nalhazani