ياسر عمر سندي

الكنز المعرفي في استثمار رأس المال البشري

الأربعاء - 02 يناير 2019

Wed - 02 Jan 2019

يضم معظم المنظمات العصرية بين جنباتها كنزا وفيرا من المعرفة، قد يزيد وينقص بحسب استراتيجية قادتها وفكرهم التنظيمي الواعي، وثقافة المنظمة ونشاطاتها ومنتجاتها أيضا، والتي تعكس نوعية رأس المال البشري من خلال فعاليتهم وإبداعهم وابتكارهم ومدى استشعارهم الولاء والانتماء التنظيمي، كونهما الدافع الذاتي والنفسي للإنجاز وضرورة التحفيز المتواصل من القادة لتحقيق الأهداف المرجوة والمرسومة سلفا، والتي تؤمن بأهمية رأس المال البشري الذي يمتلك ذاكرة معرفية عميقة نتيجة المخزون الكمي والنوعي من الخبرات المتراكمة، فالمعرفة في المنظمات، سواء كانت خاصة أو حكومية لها تصنيفان رئيسان، هما «المعرفة الضمنية» و»المعرفة الصريحة»، والأخيرة يتم استخلاصها من الأنظمة والإجراءات الإدارية والقانونية للمنظمة، والتي جرى حفظها وخزنها ونشرها عبر البريد الالكتروني وغيره من تطبيقات الأجهزة الذكية الناقلة للمعرفة ليستفيد منها أكبر عدد ممكن، وتعتمد كمرجع إداري للمنظمة.

والمعرفة الضمنية هي الأهم بسبب ما يختزنه الموظفون في عقولهم من مهارات وخبرات وتكتيكات عمل لا يصرحون بها عادة ويصعب استخلاصها منهم أو التنبؤ بها بسهولة، بسبب اختلاف سماتهم الشخصية وتعدد طبائعهم وثقافتهم، فهنالك موظفون يمتلكون مهارات خاصة تميزهم عن زملائهم ولديهم إبداعات منطقية تمكنهم من استخدام عقولهم بحكمة وبطريقة آنية، إضافة إلى الخبرات العملية والعلمية لإيجاد الحلول الجذرية لمشكلات وعقبات العمل Problem Solutions، وهذه الميزة عادة تكون نتيجة عمليات عقلية معقدة مع وجود الدافع الداخلي للموظف، والتحفيز المكتسب من الخارج أي المنظمة وقادتها.

وفي رأيي أن المعرفة الضمنية تتشكل في الشخصيات بثلاثة أنماط رئيسة: أولا «النمط السلس» الناقل للمعرفة والذي يحب مشاركة الآخرين، والثاني «النمط التحفظي» وغير المختلط أو الخجول المنطوي، وأصحابه لا يفضلون العمل الجماعي، والثالث «النمط الأناني» في نقل المعرفة، وأصحابه يستفيدون ولا يفيدون خوفا من الاستغناء عنهم وفقد مكانهم الوظيفي، وفي حال لاحظ المدير أو القائد تلك الأنماط أو بعضا منها يتوجب عليه أولا تعزيز منهج مشاركة الموظفين ودفعهم للتواصل مع زملائهم بعقد محاضرات وورش عمل ودورات لنشر مهاراتهم، ثانيا سرد قصص النجاح الملهمة عن طريق وسائل التواصل الداخلي للمنظمة، ثالثا الحث على الاجتماعات غير الرسمية خارج المنظمة، رابعا اتباع منهجية الموظف الظل للموظف المبدع بطريقة المحاكاة الوظيفية Benchmarking لمن لديه مهارة فريدة وخبرة عملية سديدة وطرق تقنية خارجة عن الصندوق، وتسجيلها كمرجع يستفيد منه الآخرون، وهذه طبعا استراتيجيات تتطلب إنشاء إدارة للمعرفة وخطة عمل جادة مع طرق تحفيز مادية ومعنوية، لأن الإفصاح عن الخبرات والمهارات ليس بالأمر السهل، حتى يتم نقلها من معرفة ضمنية كامنة داخل عقول الموظفين إلى معرفة صريحة ومتداولة.

ومن وجهة نظري السلوكية والمعرفية لاستنباط الكنز المعرفي واستثمار رأس المال البشري يجب اتباع أساليب منهجية تسلسلية متتابعة عدة، هي:

• الاستقطاب الذكي لذوي الخبرات والمهارات أو ما يسمى باصطياد العقول Head Hunting.

• جذب المتميزين من حديثي التخرج للعمل بالمنظمة وغرس الولاء في نفوسهم والتركيز على تدريبهم التدريب الموجه والشامل بصفة دورية.

• كسر حاجز المركزية في الإدارة والاعتماد أكثر على الشفافية التنظيمية لتدوير المعرفة بكل أشكالها ومستوياتها بين الموظفين.

• الدور الاستراتيجي المهم للتنفيذيين بالمنظمة للتوعية العامة.

• البعد عن سياسة الإرهاب الإداري للموظفين.

• الحرص دوما على سياسة الباب المفتوح لتبادل المعرفة بين القيادات العليا وموظفي المنظمة.

• تعزيز «الثقافة الاستثمارية في رأس المال البشري»، وذلك بتمكين الموظفين ليتكون بعد ذلك ما يسمى «الذاكرة المعرفية» أو «بنك المعرفة» للمنظمة.

• استبقاء المتميزين بتوفير الرواتب والبدلات المنافسة والمزايا المحفزة للموظفين وأسرهم.

استراتيجية المملكة تدعم الاستثمار في رأس المال البشري والمحافظة عليه وتوثيق كنوزه المعرفية لإعادة تدويرها وإنتاجها كمعرفة جديدة تفيد الاقتصاد الوطني الجديد القائم على المعرفة، لتحقيق التحول السلس في 2020 ورؤيتها 2030.

@Yos123Omar