ياسر عمر سندي

أسس الدعم المعرفي لتحقيق التحول الوطني

الأربعاء - 19 ديسمبر 2018

Wed - 19 Dec 2018

عندما أتحدث عن المعرفة بمفهومها العام فإنني أقصد جميع الخبرات المتراكمة التي اكتسبها الفرد من خلال مراحل عمره المختلفة، والتي رسخت لديه وأكسبته قيمة مضافة تميزه في محيطه المجتمعي، سواء كان العملي أو العلمي أو الأسري، فالخبرة تلازم الإنسان نتيجة حصوله على المعلومة مسبقا، ومن ثم تخزينها في عقله لتتحول إلى معرفة كامنة غير ملموسة ليتعامل معها بشيء من الذكاء، فتصبح بعد ذلك منتجا بشريا ملموسا مثل الأفكار الإبداعية المختلفة والمنتجات الفريدة من نوعها أو الاختراعات التي تطرحها المنظمة كمنتجات لتنافس بها غيرها في الأسواق. ويعد التغيير والتحول سنة من السنن الكونية التي فرضها الله عز وجل على الحياة، والتي أذعن لها البشر، سواء كان تغييرا حتميا من البيئة والمجتمع، أو كان تغيرا إراديا نابعا من الشخص ذاته أو من الكيان التنظيمي نتيجة الاستشعار بالتقدم والرقي لمواكبة المستجدات العالمية المحيطة، قال تعالى في محكم تنزيله «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» سورة الرعد 11.

ومنهجية التحول أعدها من العمليات المستمرة والدائمة، وذلك بالبحث عن أفضل الطرق المساعدة لتحسين وتنويع المنتجات التجارية والاقتصادية، ويعد الاستثمار في رأس المال الفكري للمنظمة وهو موجوداتها المعرفية من براءات اختراع ومزايا وأفكار حصرية، هو التوجه العالمي الجديد لتحقيق الميزة التنافسية وتحقيق استراتيجية الاقتصاد القائم على المعرفة.

والمعرفة تحتاج إلى إدارة عليا ذكية لتنظيم الجهد وحسن التصرف الذي يوظف التقنيات المتوفرة والأساليب والأدوات والموارد البشرية ذات الخبرة العالية أيضا وتحفيزها لاتباع عمليات مثل «التشخيص»، وهو تقييم الوضع الحالي ومدى جاهزيته للتحول وكيفية الاستفادة منه، ومن ثم «توليد الأفكار» بطرح المخزون العقلي من الخبرات، وتليها عملية استخلاص المعرفة لترتيب الأهم والمهم والمناسب للانتقال إلى عملية «التطبيق»، وهي الممارسة الجادة لمناطق المعرفة داخل المنظمة، ومن هم الموظفون الأكفاء للعمل على ذلك من خلال ورش عمل متكاملة وعصف ذهني مستمر لرسم الأطر النهائية والملامح المتكاملة للمنتج الأخير، ومن ثم تأتي العملية الأخيرة وهي «المتابعة»، وهي الرقابة على سير العمليات السابقة خطوة بخطوة، ليتم تطويرها وتوجيهها باحتراف للاستفادة منها.

وأرى ضرورة التركيز على ثلاث أسس مهمة لدعم إدارة المعرفة وعملياتها في مشروع التحول الوطني المستقبلي، وهي:

أولا، رأس المال البشري وهو الموظفون، وذلك بتبني خطة تنظيمية لتنمية أدائهم وتدريبهم، وإبراز دورهم الفاعل في تحقيق الإبداع والابتكار لتوليد الأفكار الضمنية الكامنة داخل عقولهم Knowledge Tacit والتي تشمل المهارات والجدارات، حتى يتم التصريح بها وتسجيلها داخل الأجهزة الحاسوبية المختلفة، لتصبح معرفة واضحة وظاهرة Knowledge Explicit للتمكن من تحليلها وصياغتها وتطبيقها واقعيا.

ثانيا، رأس المال الهيكلي، وذلك بالتخلص من المركزية في الإجراءات، ومنح التفويض والصلاحيات أكثر لتسهيل الأعمال، ومحاولة التخلص من العمليات المطولة، وإحلال الإجراءات الالكترونية التي تحمل المعرفة لتسجيلها وتخزينها، ومن ثم نقلها ونشرها للآخرين للاستفادة منها.

ثالثا، رأسمال العميل والمتعاملين مع المنظمة للاستفادة من خبراتهم وملاحظاتهم، والتركيز على آرائهم ومشاركاتهم فيما يرونه من أفكار واقتراحات للتحسين والتطوير المستمر، ومواكبة الذوق العام للعملاء ومتابعة ما وصل إليه المنافسون خارجيا من أفكار.

من وجهة نظري كمتخصص في المعرفة أقترح تفعيل دور إدارة المعرفة بالعمليات سالفة الذكر والأسس الداعمة لها والتمشي مع متطلبات التنمية القادمة بالانفتاح على الأسواق العالمية، والتركيز على رأس المال البشري تحديدا بمختلف تخصصاتهم ومستوياتهم التنظيمية، وتبني إبداعاتهم الفكرية في المنظمات الربحية الخاصة والخدماتية العامة في المملكة، وفتح المشاركة لتبادل ونقل المعرفة بينهم وتمكينهم من رسم الملامح الجديدة لما هو قادم من تحديات تساعدنا على الإسراع في تنفيذ مشروع التحول الوطني القادم 2020، ومن ثم الرؤية 2030 بإذن الله تعالى.

@Yos123Omar