ناصر الهزاني

لماذا لا نسوق الكفاءات بدلا من صناعة التفاهة في الإعلام؟

الاثنين - 17 ديسمبر 2018

Mon - 17 Dec 2018

تسعى بعض المجتمعات الغربية إلى مقاومة ما بات يعرف بصناعة التفاهة التي لاقت رواجا منقطع النظير، ولا سيما مع دخول شبكات التواصل الاجتماعية وسيطرتها على المشهد الإعلامي اليوم، حيث وصل إلى الواجهة عدد من الذين لا يملكون تقديم المفيد، لكنهم يملكون تسويق التفاهة وإبرازها عبر مقاطع في يوتيوب وسناب شات وتويتر وانستقرام وفيس بوك وغيرها.

انتشار هذه الفئة من صناع التفاهة في المجتمعات لم يكن ليجد قبولا لولا تسويق البعض لهم ونشر مقاطعهم واستضافة بعض وسائل الإعلام لهم، وإبرازهم على أنهم صناع التغيير والملهمون الحالمون، وإلى غير ذلك من الأوصاف، وتقديمهم كأنموذج يحتذى به للأجيال القادمة.

قبل مدة استضافت إحدى المدارس في السعودية أحد من يطلق عليهم مشاهير السوشيال ميديا لتقديم محاضرة للطلاب في أحد الفصول الدراسية، هذا الموقف الذي أثار استهجانا واسع النطاق لدى المجتمع يطرح تساؤلات مهمة ومخيفة عن حجم هذه المشكلة التي ربما تتحول إلى ظاهرة في المستقبل إذا لم يتم تدارك الوضع ومعالجة الخلل.

وفي حين يزخر وطننا بالكفاءات الوطنية الشابة التي وصل بعضها للعالمية في مختلف المجالات والتخصصات، والتي تستحق أن تكون نماذج تتصدر الواجهة الحضارية للوطن، لم تستثمر بعد، وتنتظر من يبرز ما توصلت إليه من فائدة للبشرية، وإظهار المنجزات التي حققتها للرأي العام المحلي والعالمي لأنها إنجازات للوطن.

إن لم نعمل على حل هذه المشكلة ولم يوضع حد لها، ستجني مجتمعاتنا العربية بعد سنوات نتائج كارثية من تسويق التافهين، فعندما يشاهد الأطفال والمراهقون هذه النماذج والشهرة المحيطة بهم كيف ستكون طموحاتهم المستقبلية؟ هل سنجد منهم من يقول أريد أن أكون في المستقبل مهندسا أو طبيبا أو عالما فيزيائيا أو رائد فضاء أو عالم رياضيات وغيرها من العلوم التي تحتاجها بلداننا؟ فالشهرة لا تعني دائما التفوق، وبعض من يسمون بالمشاهير حاليا حصلوا على الشهرة نتيجة الخروج عن الذوق العام وكسر القيم الإسلامية والمبادئ المجتمعية!

عندما بدأت أمريكا ودول أوروبا وأستراليا وكندا تشعر بخطورة تسويق التفاهة على مجتمعاتها، انتشرت لديها لوحات تحذر من تنامي هذه الظاهرة، ولاقت ردود فعل واسعة كتب عليها «stop making stupid people famous» أي توقفوا عن جعل الأغبياء مشاهير.

في أمريكا جرى إنشاء برامج لاستضافة العلماء والبارعين من مختلف التخصصات في القانون والفلسفة وغيرهما من العلوم بهدف إبراز وتسويق الكفاءات الوطنية الأمريكية، وقد لاقت فكرة هذه البرامج استحسانا وقبولا واسعي النطاق لدى مختلف شرائح المجتمع الأمريكي.

أمام وزارتي الإعلام والتعليم والمؤسسات الثقافية السعودية فرصة ثمينة لإقامة برامج جذابة بأسلوب ذكي لإظهار الصورة المشرفة لكفاءاتنا الوطنية في مختلف المجالات، بما يسهم في تعزيز الطموح لدى الأجيال القادمة. ولا ننسى أن تسويق الكفاءات الوطنية الشابة يعد من عناصر القوة الناعمة للسعودية إذا أحسن استخدامها بالشكل الصحيح لإبراز صورتها. ومسؤولية الوقوف تجاه تسويق التفاهة لا تقع على الجهات الرسمية فقط، بل هي مسؤولية مشتركة بين الجميع في عدم ترويج تلك النماذج وتداول مقاطعهم بدافع التسلية وتمضية الوقت.

nalhazani@