عبدالله العولقي

مستقبل الحضارات.. صراعات أم تعايش؟

الاحد - 16 ديسمبر 2018

Sun - 16 Dec 2018

في كتابه «صراع الحضارات»حشد المؤرخ الأمريكي صموئيل هنتنجتون حزمة من الأطروحات التي لا تهدف إلا لتأجيج الصراع بين الإسلام والغرب، بل وتعيد صياغة العداوة التقليدية بمفهوم شعبوي يتلاءم مع أبجديات العصر الحالي وبنظريات حديثة! ولكن بعض المثقفين والمتابعين للشأن الثقافي الغربي يرون أن من سمات الثقافة الغربية تميزها بوجود المحفزات الثقافية التي تعمل كمنبهات فكرية أو كأدوات استشعار ثقافية تجاه مخاطر الآخر، ومن هؤلاء المفكر هنتنجتون الذي تعج كتاباته بإطلاق صيحات التحذير من الحضارات الأخرى التي ستتصارع تحت شعار البقاء للأقوى، ومن هنا يحذر من الحضارتين الإسلامية والصينية اللتين تمتلكان مقومات البقاء وربما القضاء على الحضارة الغربية!

وعلى الجهة الأخرى برزت رؤية مغايرة هي أقرب للمثالية وتتحدث عن مستقبل تعايش للحضارات الإنسانية ينتهي بالديمقراطية التي ستسود المجتمعات البشرية وتنتهي كليبرالية عالمية تمثل نهاية التاريخ، ففي كتاب نهاية التاريخ لفرانسيس فوكوياما، حشد الكاتب كل براهينه للتأكيد على أن الديمقراطية هي الحل الأمثل للبشرية، وتحدث عن أن المطاف السياسي سينتهي بكل دول العالم إلى هذه الديمقراطية المزعومة وهذه هي نهاية تاريخ الإنسانية، وفي خضم الجدال الفكري حول أطروحات فوكوياما سارت الركبان الأوروبية مبتهجة بهذه الرؤية المثالية المتناهية عن جوهرية الواقع.

اليوم يفاجأ العالم بانحرافات خطيرة حول مستقبل الديمقراطية والحضارة الغربية، خاصة الأوروبية، بما ينبئ عن صراع خطير داخل العمق الثقافي لها، فالاحتجاجات المتفاقمة في عاصمة النور الفرنسية وتزايد حالات العنف وتعاظم السخط في الشارع الباريسي تجاه حكومته جعلت الأوروبيين يعيدون حساباتهم تجاه الديمقراطية ومثالية نهاية التاريخ، وهي تعاني اليوم من مأزق آخر ينخر في مقوماتها الأساسية، فإشكالية كالشعبوية العنصرية بدأت تتعاظم بقوة بين الأوروبيين، والأحزاب المتطرفة عنصريا تكتسح الانتخابات البرلمانية وتفوز في الاقتراع البلدي عن طريق منهجية الآلة الديمقراطية، وتستعمل خطاب الكراهية ضد المسلمين كما تستعمل ورقة اللاجئين والمهاجرين في إلهاب مشاعر العامة وشحذ أصواتهم الانتخابية.

كثير من المزمرين للديمقراطية في منابر جوقة المرتزقة كقناة الجزيرة لا نجد في ذواتهم الإيمان الكامل بالديمقراطية بقدر ما نجد من ضغينة دفينة لديهم للعروبة الأصيلة التي لم تستطع هيمنة الثقافة الغربية ابتلاعها، وربما يعود فشل الديمقراطية في العالم العربي إلى طبيعة الثقافة العربية المبطنة في جوهرها على ذهنية القبيلة وشيوخها، وربما يكون هذا هو السبب المقلق لثقافتهم، لأن الدول الخليجية تنعم بأعلى معدلات الأمن والاستقرار السياسي والاقتصادي في العالم دون أن تضيع في متاهات الديمقراطية.

أخيرا، إن الجدال المستعر بين المفكرين والمثقفين خلال الفترة الماضية عن مستقبل الحضارات الإنسانية بين الصراع أو التعايش قد تحول مساره اليوم إلى جدال حول مستقبل الحضارة الغربية بين صمود مقوماتها أو زوالها. فكل هذه المآزق التي تلتف حول عنق الديمقراطية في العالم اليوم كمهدد لمستقبل الحضارة الغربية يذكرنا بأحداث الربيع العربي، تلك الأحداث المأساوية التي اندلعت شرارتها مع الترويج الدعائي لفكرة الديمقراطية كحل إنقاذي للشعوب العربية حتى أوقعتها في الفخ ثم أغرقتها في لجج من الدمار والكوارث.

واليوم مع عودة الصحوة العربية إلى شعوب المنطقة وتفطنهم لفخ الديمقراطية المزعوم ينظرون إلى حكمة المملكة العربية السعودية واتزانها السياسي وقدراتها الدبلوماسية والاستراتيجية على أنها القادرة على قيادة المنطقة إلى بر الأمان وتجنيبها ويلات الحروب والنزاعات الطائفية.