عبدالحليم البراك

الطالب الجيد ليس موظفا جيدا بالضرورة

الاثنين - 10 ديسمبر 2018

Mon - 10 Dec 2018

مفهوم التلميذ الجيد لا يخلق موظفا جيدا، فالطالب في مقاعد الدراسة هو في مهمة تختلف مهارتها عن مهارات الموظف تماما، والحاصل أن الناس تخلط بين الموظف الجيد والتلميذ الجيد، وإليك - عزيزي القارئ - الفكرة بوضوح:

أبرز مهارة للطالب هي أن يحفظ جيدا، لكن المدير الجيد والموظف الجيد لا يمكن أن «تسمع» له الأنظمة هل يحفظها أم لا، بل هو يفهمها وحين يريدها يصل إليها بسرعة. والتسويق علم يدرس، لكنه في التطبيق عمل آخر ينجح فيه صاحب المهارات أكثر من ذلك الطالب الذي حفظ المذكرة جيدا، وامتص ما في الكتاب، واستطاع بجدارة أن يطبعه على ورقة الإجابة!

الطبيب في مرحلة الدراسة سوف يسأل عن كل شيء وسيجيب نظريا، بينما عندما يمسك المشرط ليفتح بطن المريض سيحتاج مع العلم للمهارة، وتشيع جدا ظاهرة: هل تذكر فلانا، لقد كان أسوأ الطلاب في الدفعة، لكنه الآن الأكثر شهرة، لأنه استخدم مهارات العمل أكثر من مهارات الطالب في مكان العمل!

المعيد في الجامعة حصل على الإعادة بناء على أنه طالب ممتاز، لكن ليس بالضرورة أن يكون أستاذا جيدا، أو باحثا جيدا، أو خادما للمجتمع بشكل جيد، أو متحدثا جيدا، أو مديرا جيدا. وإليك بعض الأمثلة الجامعية:

أستاذ الاقتصاد في الجامعة يعلم الناس فن إدارة المال والأعمال، وتنظيم الشركات والوقت والمهارات الإدارية لأنه كان طالبا جيدا، والآن هو معلم جامعي جيد، لكنه تطبيقا قد يكون جيدا وقد لا يكون، بينما يقود الشركات ذوات الدخل العالي ملاك ومديرون يمارسون فن إدارة المال والأعمال تطبيقيا واحترافيا، ولو كان كل من يدرس المال والأعمال غنيا لصارت كليات الأعمال والاقتصاد كليات من ذهب وبذخ لكنها ليست كذلك!

الناقد للعمل الروائي ناقد جيد، درس أدوات النقد، واستطاع أن يميز الرواية الجيدة من الرديئة، لكن لو كتب الرواية بناء على علمه سيكتب رواية مكتملة الشروط والأركان لكنها تفتقد للروح الفنية الموجودة لدى الروائي المحترف الموهوب الذي لا يعرف قواعد العمل الروائي، بل يصنعها بنفسه!

الرائعون الذين يتحدثون عن كرة القدم اثنان، أحدهما يتكلم خارج الملعب يصف المباراة فنيا بشكل رائع، وآخر يتكلم عن المباراة داخل الملعب ولا يتكلم بلسانه بل يقدمه، ولو سألته كيف فعلت هذا؟ لا يستطيع أن يجيب، لأن سقف الممارسة لديه أعلى بكثير من سقف الحديث عن فنه، عكس المحلل الرياضي الذي لو طلبت منه أن يسجل هدفا في مرمى خال لربما اصطدمت الكرة بعلم «الزاوية» البعيدة! وأخطأ في اللعبة، وأبرز الأمثلة ماجد عبدالله ويوسف الثنيان كأبرز اثنين ممن لا يعرفون الكلام إلا على المستطيل الأخضر، أما أولئك الذي يتكلمون قبل المباراة وبعدها ومع الحكم الرابع لإقناعه بأن الحكم الأصلي مخطئ فهم أكثر من أن نعدهم، ولو قلنا بعض أسمائهم لغضب علينا متعصبو الكرة!

وخلاصة الكلام أن التلميذ الجيد ليس بالضرورة أن يكون موظفا جيدا، والعامل الممتاز يحتاج لأدوات لا توفرها مقاعد الدراسة، ولكن هذا لا يغني عن الدراسة، فهي مرحلة مهمة يجب أن تستوفي شروطها، وصاحبي الذي معدله الجامعي 2.8 من 5 في الدراسة معدله في أداء العمل 5 من 5، ولدى الغرب قاعدة لطيفة: طالب يحصل على 90% في الثانوية العامة ولديه سجل كبير في خدمة المجتمع أهم بكثير من طالب حقق 100% لكنه لن يخدم إلا نفسه.

Halemalbaarrak@