ناصر الهزاني

كيف يفكر الإعلام الغربي تجاه قضايانا؟

الاثنين - 29 أكتوبر 2018

Mon - 29 Oct 2018

منذ عقود مضت حتى يومنا الحاضر يتابع الإعلام الغربي المشهد في المملكة العربية السعودية ويكتب عنه، ولا تكاد تجد صحيفة أو محطة تلفزيونية أو إذاعية أو عبر وسائل التواصل الاجتماعية حاليا إلا وتكون السعودية حاضرة فيها، خبرا أو مقالا أو تقريرا أو تحليلا.

إن ما نشهده حاليا من حملة إعلامية منظمة تجاه السعودية في الإعلام الغربي لم يكن وليد اللحظة ولا الصدفة ولا يتعلق بقضية حدثت، ولكنه عمل مدروس ومخطط له وفق استراتيجية إعلامية قامت على بنائها مؤسسات وخبراء متخصصون في صناعة الخطاب الإعلامي، عملهم الأساس التخطيط الاستراتيجي لكيفية بناء ورسم محتوى موجه للمنطقة وللسعودية، كونها من أهم الدول الفاعلة والمؤثرة في العالم بما تملكه من ثقل عربي وإسلامي، إضافة لثقلها الاقتصادي ضمن الدول الـ 20.

ولو رجعنا إلى الوراء قليلا وتحديدا قبل سنتين سنجد أن بعض المؤسسات الصحفية الغربية قامت بحملة موجهة ضد المملكة، استهدفت وزير الدولة لشؤون الخليج العربي والسفير السعودي السابق في العراق ثامر السبهان، عندما نشرت الاندبندنت خبرا زعمت فيه أن له ابن عم اسمه عبدالسلام قتل في العراق وهو يقاتل ضمن صفوف داعش، وأن السفير السابق رفض إدانة ابن عمه، إثر ذلك رد السبهان عبر حسابه الرسمي في تويتر على تلك المزاعم، وأوضح أن هذا الخبر غير صحيح جملة وتفصيلا، وأنه لا يوجد لديه ابن عم بهذا الاسم، كما أكد أنه ليس هناك أي شخص من عائلته قاتل في صفوف داعش أو غيرها من الجماعات المتطرفة في العالم.

ولو انتقلنا إلى أشقائنا في دول الخليج العربية سنجد كيف سلط الإعلام الغربي سلاحه تجاهها مستغلا بعض التغيرات والأحداث التي تحصل في دول العالم، حيث نتذكر كيف تناول الأزمة التي مرت بها دبي وتجاوزتها، وكيف شحذ آلته الإعلامية الضخمة تجاهها محاولا التشكيك بها وهز صورتها كتجربة عربية رائدة وكمركز مالي ناجح على مستوى العالم، فانهالت الصحافة الغربية باتهامها بعدم الشفافية في معاملاتها المالية، وطرحت سيناريوهات غير واقعية بغرق أسواق المال الخليجية جراء تلك الأزمة. في المقابل لم يسلط الإعلام الغربي الذي هاجم دبي الضوء عليها عندما أعلنت تسديد ديونها، بل صمت وغض بصره وكأنه حدث عابر، رغم أهمية دبي ومكانتها العالمية.

لقد استخدمت بعض المؤسسات الإعلامية الغربية التي هاجمت دبي استراتيجية «التأزيم» لمحاولة تضخيم الحدث وتأزيمه بهدف تغيير صورتها الذهنية في العالم.

أما في مصر فنجد كيف يتعامل الإعلام الغربي مع قضاياها ويعمل على تضخيمها حتى لو كانت فردية، وهذا مشاهد ولا سيما في استغلال أي حادثة فردية تقع بين مسلم وقبطي، حيث تتناولها الصحافة الغربية من منظور معاناة الأقليات وانتهاك حقوقهم بحسب زعمها، بهدف تأزيم القضية وتضخيمها في الرأي العام لخلق أزمات طائفية لا تنتهي.

إن إعلامنا السعودي بصورته الراهنة وبخطابه الحالي يفتقد إلى روح المبادرة والجرأة والموضوعية في الطرح رغم توفر الإمكانات المادية والبشرية الموجودة في مؤسساتنا الإعلامية، كما أنه يحتاج لرسم وبناء استراتيجية فاعلة ومؤثرة داخليا وخارجيا تليق بمكانة المملكة عربيا وإسلاميا وعالميا.

ليس المهم في هذه المرحلة جلد الذات، ولكن تشخيص الأداء الحالي والعمل على صناعة وابتكار حلول عملية ذكية فاعلة ومؤثرة تتعاطى مع الإعلام الغربي بشكل صحيح وفهم طريقة تفكيره، وكيف يمكن استثماره لخدمة مصالح بلادنا، وهذا ما ينبغي عمله.

كما أن تحديث التشريعات الإعلامية لدينا ومراجعتها وتطويرها بما يواكب المستجدات العالمية ويحافظ على مكتسباتنا الوطنية تعد أمرا مهما لإبراز السعودية الجديدة التي نفخر بها.

لا بد أن ندرك أننا في زمن أصبح الإعلام فيه صناعة وسلاحا تستخدمه الدول لنهضتها وتنمية بلدانها، لذلك فهو يتطلب عقلية ذكية تبني استراتيجيات بعيدا عن الارتجالية وردود الفعل، حتى يمكن إظهار الوجه الحضاري للسعودية الجديدة ومواجهة الحملات المستمرة تجاهها.

إننا نستطيع أن نكسب الإعلام الغربي لخدمة مصالحنا وقضايانا إذا استطعنا فهم العقلية الغربية وطريقة تفكيرها، وكيف تعمل وتدار منظومة الإعلام فيها، لذا من المهم المبادرة نحو بناء علاقة إيجابية وفتح جسور التواصل معها والتعاطي بفعالية من خلال تزويدها بما تود معرفته بشكل صحيح والإجابة عن استفساراتها بدلا من استقائها معلومات غير صحيحة من أماكن ومصادر أخرى لها أجندتها الخاصة، ولا سيما أن هناك مؤسسات إعلامية غربية ترغب بمعرفة المزيد عن منطقتنا، لما تمثله من موقع استراتيجي ومكانة مهمة في العالم اليوم.

لقد استخدم الغرب الإعلام بمختلف مجالاته وفنونه وتم استثماره ليكون سلاحا وأداة رئيسة لإبراز تفوقه المادي والتكنولوجي والتنموي، فأصبح جزءا لا يتجزأ من منظومته الدفاعية الكبرى عن الهوية الغربية والمشروع الغربي بأبعاده المختلفة ومصالحه الاستراتيجية التي يسعى لها.

ختاما، لا بد أن نعي أن جزءا من الإعلام الغربي بوسائله المختلفة لم يغب عن الساحة العربية عموما والسعودية خصوصا، ولن يكتفي بمواكبة القضايا والموضوعات وتغطيتها، بل ربما يؤزمها، فما هي استراتيجيتنا تجاه ذلك؟