ياسر عمر سندي

دور القائد الذكي في تحقيق الارتباط المنظمي

الأربعاء - 24 أكتوبر 2018

Wed - 24 Oct 2018

«كن جميلا ترى الوجود جميلا»، دائما ما أستحضر هذا الشطر من البيت الإيجابي للشاعر اللبناني الكبير إليا أبوماضي، تيمنا به واستجلابا للسعادة والفرح، وأحاول أن أستعيره وأصوغه وأغلفه بنكهتي الإدارية ومقاديري التنظيمية.

وهنا أخاطب قادة المنظمات العامة والتنفيذيين في الشركات الخاصة وكل من كان له دور إشرافي بمختلف المستويات التنظيمية العليا والوسطى والتنفيذية الصغرى، وأقول لهم «كن ذكيا ترى الوجود ثريا» فأنتم مسؤولون عن رأسمال بشري متنوع الثقافات وبمختلف الشهادات وواسع الخبرات، وهذه التوليفة الغنية بالمعرفة تحتاج إلى قادة أذكياء يستثمرون ما بداخل عقولهم ويعملون على كل المحفزات التنظيمية والنفسية لاستفزاز أفكارهم وإبداعاتهم واستخراجها لتنمية وتطوير الأعمال، ولتحقيق المراد الأسمى أيضا وهو خلق الولاء والارتباط التنظيمي عند جميع الموظفين.

واستشهادا بمبدأ الارتباط التنظيمي ودور القائد في ذلك، ذكر لي أحد الأصدقاء - وهو زميل عمل سابق ويعد أحد التنفيذين والقادة الذين تعلمت منهم الكثير - وباح لي بمعلومة، وقال إنه معجب ومبهور بشخصية قيادية في أعلى هرم إحدى شركات الطيران العالمية عندما حضر أحد المؤتمرات، قال هذا القائد وهو رئيس تنفيذي لشركة الخطوط الجوية البرتغالية السيد «فيرناندو بينتو» في كلمته التي ألقاها على الحضور عبارة رائعة، وهي No harmony no Company بمعنى لا وجود للمنظمة في غياب التناغم والتفاهم اللذين ينصبان في صالح الموظف والشركة. وقد استوقفت هذه العبارة كثيرا من التنفيذيين والمتخصصين في الموارد البشرية والإدارة.

عبارة بسيطة لكن صداها كبير ومعناها عميق، وهي تعكس العلاقة النفعية الطردية بين الموظف والمنشأة التي ينتمي إليها، فكلما زاد اهتمام المنظمة بالموظفين زاد الولاء والارتباط منهم تجاهها، وتعكس العبارة أيضا قوة تأثير الانسجام الوظيفي وما يسببه من ولاء وارتباط للعملاء الخارجيين للشركة ولمنتجاتها وعلامتها التجارية.

تركز معظم الأبحاث ودراسات علم النفس الإداري والسلوك التنظيمي أخيرا على الموظفين والبيئة العملية، لما لها من دور بارز واستراتيجي لخلق بيئة صحية مفعمة بالتآلف والتناغم بين الموظفين، ومن جهة أخرى بين الموظفين والإدارة العليا.

وتبنت كثير من الشركات مفهوم «الارتباط التنظيمي Employee Engagement»، وذلك باللجوء إلى تطبيق دراسة شاملة على كل المنظمة وموظفيها، ويجري فيها تصميم استبيان لتشخيص حالة الشركة من جميع النواحي التنظيمية والهيكلية والوظيفية، مثل حجم العمل، وطبيعة الهيكل التنظيمي، وحجم المنظمة، وعدد الموظفين، وطبيعة العمل والنشاط، والمزايا والرواتب، وغيرها، والتي تلامس الموظف وحياته المهنية، فكل ما سبق يؤخذ في الحسبان عند عمل الدراسة لقياس مدى ارتباط الموظفين بمنظمتهم.

وتقسم أسئلة الاستبيان في الغالب إلى فقرات وتساؤلات عدة، فمنها تساؤلات نفسية عن مدى الرضا والراحة والبيئة المحيطة للمنظمة، ومنها تساؤلات تنظيمية، وأخرى مالية وهيكلية، وذلك بحسب نشاط الشركة وثقافتها، وقد تشير كثير من نتائج استبيان الدراسات التي أجريت إلى وجود مؤشرات عالية وإيجابية وأيضا وجود أخرى تدل على قصور وانخفاض في الرضا الوظيفي، ومن هنا يتم تعزيز ذلك القصور بعمل إجراءات تصحيحية وتنبيه للشركة إلى وجود خلل يعاني منه الموظفون، وسرعة استدراك ذلك بآليات تقويمية وزيادة الاستماع إلى مطالب الموظفين.

ويؤدي اهتمام الشركة بأفرادها إلى الشعور بالراحة والطمأنينة، وأنهم جزء رئيس لا يتجزأ من منظومة نجاح الشركة، فأحياننا تتولى بعض الشركات رعاية موظفيها عن طريق توفير ألعاب معينة وصالات ترفيه عامة للموظفين للتغيير من نمط العمل والروتين واستعادة النشاط، مثل شركة قوقل العالمية، ورعاية أسر وعوائل الموظفين أيضا وإسعادهم ومفاجأتهم بتذاكر سفر أو هدايا لأعياد ميلاد أبنائهم أو أعياد الزواج، فهذه اللمسات الإيجابية التي تقدمها الشركة تعمل على تحفيز الموظفين أكثر وإشعارهم بأن المنظمة تشاركهم أفراحهم وأتراحهم وأنها أسرتهم الثانية، فكلما زاد الانسجام الوظيفي تطور الارتباط التنظيمي وارتقت بذلك مؤشرات الأداء لدى الموظفين وزادت إنتاجية الشركة بين منافسيها.

رسالتي لكل قائد وتنفيذي بأن الذكاء التنظيمي في التعامل هبة من الله وسلوك مكتسب من خبرات الحياه تستطيع أن تحاكيه وتستخدمه وتقتبسه من غيرك وتسقطه على منظمتك، وكلما تعاملت بحكمة وذكاء في تأليف قلوب الموظفين سترى أعلى معدلات للأداء والإنتاجية من خلال سلوك التآخي والتآزر في المنظمة، قال تعالى «فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك». آل عمران 159.

@Yos123Omar