محمد حمدان

قبل أن تصاب بفوبيا المعرفة!

الخميس - 11 أكتوبر 2018

Thu - 11 Oct 2018

كنت أستمع يوما أثناء قيادتي لإذاعتي المفضلة NPR، كانوا يتحدثون عن المصابين بفوبيا الطيران أو رهاب الطيران. ووجه المذيع سؤالا للمستمعين: إذا أراد شخص ما الارتباط بك وهذا الشخص تجتمع فيه صفات كثيرة إيجابية لكن لديه فوبيا الطيران فهل ترتبط به؟ العجيب أن المستمعين جميعهم ما عدا امرأة واحدة أجابوا بـ "لا"! وتفسيرهم أن ذلك سيمنعهم أو يقيدهم على أقل تقدير عند ممارسة إحدى أجمل الهوايات في الحياة وهي السفر.

الفوبيا، تلك الكلمة اليونانية الأصل، مرض نفسي يجعل الشخص يخاف بشكل كبير من مواقف أو أماكن أو أجسام أو أنشطة معينة. كثير منا لديه نوع أو أكثر من الفوبيا. كالخوف من الأماكن المرتفعة والظلام والأصوات المزعجة والأمراض والألم والفشل والجراثيم والحشرات والمستشفى وزيادة الوزن والبحر والسرعة والأماكن الضيقة والمجتمع.

صدق أو لا تصدق، هناك من لديه فوبيا الاستحمام Ablutophobia فلا يجعل الماء يلامس جسده. وبما أني أعشق الاستطراد، فسوف أذكر قصة لطيفة عن الملك الفرنسي لويس الـ 14 الذي يروى عنه أنه استحم ثلاث مرات في حياته، فقد كان لديه فوبيا الاستحمام لأنه كان يؤمن بالاعتقاد السائد بأن الماء ينقل الأمراض، ولكي يخفي رائحة جسده الكريهة كان يأمر صناع العطور بصنع الأنواع المختلفة من الروائح الجميلة بشكل مستمر. وكان قصره في فرساي مليئا بآنيات الورود الجميلة ذات الروائح الزكية، وفي تلك الحقبة ازدهرت صناعة العطور الفرنسية. وإن صح القول فإن خوفه من الماء أسهم في بروز العطور الفرنسية. لكن ليس الحال هكذا في هذه الأيام!

الفوبيا تتنوع في غرابتها، فهناك من لديه فوبيا الرجل الأصلع، بل حتى هناك من هو مصاب بـ Pentheraphobia وهو الخوف من أم الزوج أو الزوجة. بل هناك من يفزع من الأشياء المحببة لدى كثيرين مثل المال والرقص والخيول، نعم المال إن اعتقدتَ أني حشوتها سهوا، والقطط والزواج والموسيقا. وهناك من لديه رهاب العزلة Monophobia وهو الشخص الذي لا يستطيع أن ينام وحيدا في أي مكان، وتجده محاطا بالناس في كل وقت.

وحتى لا أجعل هذا المصطلحات تصيبك بـ Epistemophobia وهو رهاب المعرفة. أود القول إن الرهاب مرض نفسي، له مسبباته، وهناك طرق لعلاجه، لا أن يتكيف الشخص معه ويستسلم له.

وأفضل علاج موجود هو ما يسمى بالمواجهة، أي مثلا إذا كان الشخص مصابا بالرهاب الاجتماعي ولا يستطيع مقابلة الضيوف والناس في الأماكن العامة فعلاجه يكمن في جعله يقابل مجموعات صغيرة من ذوي المعرفة الكبيرة والثقافة العالية في بداية الأمر، لكي يتم تمجيد رأيه والثناء عليه، ثم عرضه على مجموعات أكبر تدريجيا باختلاف مستوياتهم العلمية والعملية، مع التنبيه إلى أن الجميع يخطئون وأن الآخرين يستمتعون بمجالسته.

وبالتأكيد أن للفوبيا تاريخا قديما قد يعود أحيانا إلى الطفولة أو صدمة ما. هبوط اضطراري لطائرة قد يجعل البعض يصابون برهاب الطيران. وعلاقة سيئة جدا مع رجل أو امرأة أو شريك تجاري قد تجعل الشخص يخاف بشكل كبير من هؤلاء الناس. وكاتب هذه المقالة كان لديه رهاب من العقرب لأني في صغري كدت ألدغ من واحدة بعد أن نجحت في الاقتراب من رقبتي لولا أن تدخل من أنقذني في تلك اللحظة. وأصبحت بعدها أفزع من رؤيتها، وإن أحسست لو بنسمة هواء أو شعرت بشيء يتحرك من حولي انتفضت قائما من الخوف. وقد استغرق

الأمر مني وقتا طويلا حتى قررت أن أواجه خوفي بالاقتراب والتخلص منها حتى نزعت هذا الخوف انتزاعا.

والمشكلة أحيانا تكمن في أن بعض أنواع الفوبيا دون غيرها تقلق الطرف الآخر والعائلة، كالخوف من التقدم في العمر الذي يجعل البعض مهووسا بالعمليات التجميلية، ورهاب الأماكن المرتفعة يجعل النزهات مقيدة، والرهاب الاجتماعي يجعل الشخص منعزلا في غرفته.

لكن في جميع الأحوال، تبقى الفوبيا مرضا قابلا للعلاج. فإن كان لديك نوع رهاب أتعبك وأتعب من حولك فسارع باللجوء إلى المختصين!

dralmuaiqli@