المختزن الذهني وصناعة المستقبل!
الثلاثاء - 25 سبتمبر 2018
Tue - 25 Sep 2018
خطاب الإسلام السياسي (الصحوي والإخواني والشيعي) طيلة مده القديم مؤطر بقضيتين مهمتين، الأولى: قضية الخلافة، ولدى الشيعة (الإمامة)، والثانية: نظرية المؤامرة المتمثلة خاصة في (اتفاقية سايكس بيكو) التي رسمت من خلالها خرائط نفوذ الدول العظمى آنذاك بعد سقوط الدولة العثمانية الهرمة، وهاتان القضيتان هما منطلق خطابات معظم حركات الإسلام السياسي في كل فتراتها إلى اليوم.
سقط الرجل المريض (الدولة العثمانية)، واستقلت الأوطان العربية عن حكم المستعمرين، واعترف كل وطن بحدود جيرانه، ونشأت خلف تلك الحدود دول حديثة، ذات سيادة، تنتمي للنظام الدولي الحديث، وتتمتع بعضوية كاملة في منظمة الأمم المتحدة، ومضى السياسيون في بناء أوطانهم والدخول في شبكة العلاقات العالمية المعقدة في شتى شؤون الحياة، لكن الإسلاميين ظلوا بين قوسي (الخلافة وسايكس بيكو) تتمحور رؤيتهم للآخر من خلال ذلك المنظار، وما تزال ذهنيتهم حبيسة تينك القوسين.
حقوق الإنسان، والاتفاقيات الدولية، وابتعاث الطلاب، وأعياد الأوطان، واتفاقيات السلام، وتحرير الرقيق، والحدود السيادية، ومنظمة التجارة العالمية، ومفهوم الوطنية، كل هذه وغيرها في نظر الإسلاميين (مؤامرة)، يقوم بها العالم أجمع للسيطرة على أبناء هذه المنطقة واحتلالهم ومسح أدمغتهم وتغيير موروثاتهم وثقافاتهم كما يشاء (المستعمر الجديد)، وتغذية ذلك باتهام (الأنظمة العربية والإسلامية) أنها شريك رئيس في تنفيذ تلك المؤامرة، فليس الحكام في نظر الإسلاميين سوى (دُمى) يحركها لاعب غربي أكبر، وأدبيات الإسلاميين وخطاباتهم جلها تصب في هذا الاتجاه، وهم حقيقة لا يعترفون بالنظام العالمي الحديث كله، ولم يستوعبوه، فكانت هاتان القضيتان محرك كل الشرور في المنطقة، سواء الشرور الإرهابية التي حدثت وما تزال بعضها، أو الشرور المختزنة في رؤوس الكثيرين من أتباع الطرح الصحوي والإخواني المر.
ولعل محور مقالتي يتركز حول (المختزن الذهني) في أدمغة الكثيرين، إثر الخطاب الصحوي والإخواني، فما يزال الكثيرون ينتظرون رؤية عالم إسلامي يحكمه رجل واحد، وهؤلاء لم يقرؤوا تاريخ الخلافة الإسلامية إلا من خلال ما يسمعون من زخارف المفوهين على المنابر، وما يزال الكثيرون يرون الآخر عدوا محضا لا يجب التعامل معه بأي شكل من الأشكال إلا على أساس (الحروب الصليبية)، ولهذا المختزن الذهني تأثيره الواقعي الرهيب على شتى مناحي الحياة وبناء الأوطان وترقيها وازدهارها.
حينما ينخرط شباب المسلمين في التنظيمات الإرهابية، فليس حبا في الموت كما يروج بعض الإعلاميين، بل مشحونين عاطفيا بحلم الوحدة والقوة الإسلامية المزخرف، ونقمة على الآخر الذي يرونه سببا في تمزيق دولة (الخلافة) الهرمة، ليعود زمن الفتوحات الإسلامية، ويغزو المسلمون العالم كله، ليحكمه خليفة واحد، وهذا ما يجب أن يتنبه إليه المفكرون والتربويون والإعلاميون، فمن السهل حاليا إيقاف الحراك التعبوي في هذا الاتجاه، والحد من قوته، لكن العسير الذي يحتاج إلى ثنائية (الفكر والزمن) في تفكيكه، هو الخطاب المدوي في الرؤوس، والأحلام الوهمية العالقة في أذهان الكثيرين.
نشاهد اليوم مشاعر (الامتعاض والحرج والتردد والتوجس والحذر) تجاه كل خطوة يخطوها أي قطر عربي في سبيل التقدم والترقي بأنظمته وحياة إنسانه ورفاهيته، وهذا يعود إلى المختزن الذهني الرهيب، وكأن كل خطوة باتجاه المستقبل ليست إلا تنفيذا لبنود المؤامرة (الموهومة)، تشارك الأنظمة العربية والإسلامية في تنفيذها. والعلاج الحقيقي لهذه القضايا المعقدة يحتاج إلى خطاب ثقافي عقلاني واع وشفاف، لا يتجه إلى العواطف مطلقا، بل تكون العقول وجهته، بالأدلة والبراهين والأرقام، وبما تختزن أدراج المؤسسات الرسمية من وثائق، وخطابات الساسة والزعماء الشفافة، كما بادر إليه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في عرضه لأفكاره ورؤيته التي أقنعت شرائح اجتماعية واسعة، فهذه الأدوات المهمة تعين أولئك الناس على استيعاب المرحلة، بعد أن خدرتهم الخطابات الإسلامية الحالمة عن ماضي الأسلاف، وأعماهم الغضب على حاضرهم عن فهم (النظام العالمي الحديث) بتعقيداته وتشابك خيوطه. والله ولي التوفيق.
ahmad_helali@
سقط الرجل المريض (الدولة العثمانية)، واستقلت الأوطان العربية عن حكم المستعمرين، واعترف كل وطن بحدود جيرانه، ونشأت خلف تلك الحدود دول حديثة، ذات سيادة، تنتمي للنظام الدولي الحديث، وتتمتع بعضوية كاملة في منظمة الأمم المتحدة، ومضى السياسيون في بناء أوطانهم والدخول في شبكة العلاقات العالمية المعقدة في شتى شؤون الحياة، لكن الإسلاميين ظلوا بين قوسي (الخلافة وسايكس بيكو) تتمحور رؤيتهم للآخر من خلال ذلك المنظار، وما تزال ذهنيتهم حبيسة تينك القوسين.
حقوق الإنسان، والاتفاقيات الدولية، وابتعاث الطلاب، وأعياد الأوطان، واتفاقيات السلام، وتحرير الرقيق، والحدود السيادية، ومنظمة التجارة العالمية، ومفهوم الوطنية، كل هذه وغيرها في نظر الإسلاميين (مؤامرة)، يقوم بها العالم أجمع للسيطرة على أبناء هذه المنطقة واحتلالهم ومسح أدمغتهم وتغيير موروثاتهم وثقافاتهم كما يشاء (المستعمر الجديد)، وتغذية ذلك باتهام (الأنظمة العربية والإسلامية) أنها شريك رئيس في تنفيذ تلك المؤامرة، فليس الحكام في نظر الإسلاميين سوى (دُمى) يحركها لاعب غربي أكبر، وأدبيات الإسلاميين وخطاباتهم جلها تصب في هذا الاتجاه، وهم حقيقة لا يعترفون بالنظام العالمي الحديث كله، ولم يستوعبوه، فكانت هاتان القضيتان محرك كل الشرور في المنطقة، سواء الشرور الإرهابية التي حدثت وما تزال بعضها، أو الشرور المختزنة في رؤوس الكثيرين من أتباع الطرح الصحوي والإخواني المر.
ولعل محور مقالتي يتركز حول (المختزن الذهني) في أدمغة الكثيرين، إثر الخطاب الصحوي والإخواني، فما يزال الكثيرون ينتظرون رؤية عالم إسلامي يحكمه رجل واحد، وهؤلاء لم يقرؤوا تاريخ الخلافة الإسلامية إلا من خلال ما يسمعون من زخارف المفوهين على المنابر، وما يزال الكثيرون يرون الآخر عدوا محضا لا يجب التعامل معه بأي شكل من الأشكال إلا على أساس (الحروب الصليبية)، ولهذا المختزن الذهني تأثيره الواقعي الرهيب على شتى مناحي الحياة وبناء الأوطان وترقيها وازدهارها.
حينما ينخرط شباب المسلمين في التنظيمات الإرهابية، فليس حبا في الموت كما يروج بعض الإعلاميين، بل مشحونين عاطفيا بحلم الوحدة والقوة الإسلامية المزخرف، ونقمة على الآخر الذي يرونه سببا في تمزيق دولة (الخلافة) الهرمة، ليعود زمن الفتوحات الإسلامية، ويغزو المسلمون العالم كله، ليحكمه خليفة واحد، وهذا ما يجب أن يتنبه إليه المفكرون والتربويون والإعلاميون، فمن السهل حاليا إيقاف الحراك التعبوي في هذا الاتجاه، والحد من قوته، لكن العسير الذي يحتاج إلى ثنائية (الفكر والزمن) في تفكيكه، هو الخطاب المدوي في الرؤوس، والأحلام الوهمية العالقة في أذهان الكثيرين.
نشاهد اليوم مشاعر (الامتعاض والحرج والتردد والتوجس والحذر) تجاه كل خطوة يخطوها أي قطر عربي في سبيل التقدم والترقي بأنظمته وحياة إنسانه ورفاهيته، وهذا يعود إلى المختزن الذهني الرهيب، وكأن كل خطوة باتجاه المستقبل ليست إلا تنفيذا لبنود المؤامرة (الموهومة)، تشارك الأنظمة العربية والإسلامية في تنفيذها. والعلاج الحقيقي لهذه القضايا المعقدة يحتاج إلى خطاب ثقافي عقلاني واع وشفاف، لا يتجه إلى العواطف مطلقا، بل تكون العقول وجهته، بالأدلة والبراهين والأرقام، وبما تختزن أدراج المؤسسات الرسمية من وثائق، وخطابات الساسة والزعماء الشفافة، كما بادر إليه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في عرضه لأفكاره ورؤيته التي أقنعت شرائح اجتماعية واسعة، فهذه الأدوات المهمة تعين أولئك الناس على استيعاب المرحلة، بعد أن خدرتهم الخطابات الإسلامية الحالمة عن ماضي الأسلاف، وأعماهم الغضب على حاضرهم عن فهم (النظام العالمي الحديث) بتعقيداته وتشابك خيوطه. والله ولي التوفيق.
ahmad_helali@