التفاؤل وأسوأ الاحتمالات

الأربعاء - 19 سبتمبر 2018

Wed - 19 Sep 2018

عند سماع العبارات المتفائلة التي تصف المستقبل وترسم صورة النجاح فإننا نتوق إلى ذلك النجاح، ونستشعر نجاح الخطط والاستراتيجيات حتى قبل البدء في تنفيذها واختبارها!

وهذا التفاؤل - بلا شك - هو أحد الموارد الرئيسة للرؤية الطموحة والمحفز الداخلي نحو تحقيقها والمحرك للطاقات نحو الإنجاز وتجاوز العقبات، وهو سمة القادة المؤثرين.

ولكن الاقتصار على السيناريو المتفائل والإفراط في التوقعات الإيجابية قد يغرق في الأوهام وتسقط معه المؤسسات إلى أزمات عميقة.

ورغم ما يمتلكه القائد وفريق عمله من قدرات عالية على التخطيط والتنظيم والمتابعة، إلا أن هناك مخاطر وتهديدات في طريق الإنجاز لا بد من أخذها بعين الاعتبار، ولذلك يجدر بالمؤسسات العناية ببناء خطة لإدارة المخاطر وتحليل السيناريوهات المتوقعة، والتعامل مع أسوأ الاحتمالات بما يمكنهم من التصرف الحكيم والمناسب حيال المفاجآت والبحث عن رد الفعل المناسب تجاه مسببات المخاطر، وبناء هذه الخطط من المهارات الضرورية والأدوات المهمة لتحقيق النجاح.

تقوم فكرة إدارة المخاطر على أخذ خطوة استباقية تجاه التهديدات المحتملة بدلا من وقوع الخطر فجأة من ثم البحث في كيفية التعامل معه، وتتمثل المهارة قيمتها الحقيقية في وضع المخاطر تحت السيطرة، ليس توقع المخاطر مسبقا فحسب، بل القدرة أيضا على تحجيم تأثيرها أيضا، فيقوم القائد وفريقه بالتعامل بحسب الموقف ووفقا للمخطط له مسبقا، وليس رد فعل بعد تلقي الصدمة، أما إذا حدث أمر غير متوقع وليس ضمن المخاطر أساسا فهنا يتحول الأمر إلى مستوى آخر وهو إدارة الأزمة.

إن التخطيط لإدارة المخاطر مهم جدا لكل مؤسسة ناجحة، فالاستعداد الجيد يبقيك متيقظا ضد أي خطر أو تهديد محتمل ويضمن الجودة العالية مع الإنجاز في الوقت المحدد وبالميزانية المخصصة.

والتعامل مع المخاطر بالاستراتيجية الأنسب إما بتجنبها أو منعها أو تخفيفها أو نقلها إلى جهة أخرى وتقليل آثارها السلبية وقبول بعض أو كل تبعاتها أو ترتيبها حسب الأخف ضررا.

ولا يقصد بالمخاطر تلك الحوادث التقليدية والكوارث المادية والأزمات المالية فقط، بل يمكن أن تكون المخاطر مرتبطة بالعلاقات والشركاء، وقد تكون مخاطر مرتبطة بالموارد البشرية والولاء، وقد تكون مخاطر تقنية معلوماتية.

وفي قصة يوسف عليه السلام درس عملي في التخطيط لإدارة المخاطر كما ذكرها الله عز وجل في كتابه الكريم «يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون.

قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون. ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون. ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون».

وهنا يكون الاستعداد للسيناريو الأسوأ دون مبالغة تقضي على روح التفاؤل، ذلك الشعور الداخلي الذي يبعث على الإيجابية ويقود نحو أفضل النتائج، وتحقيق التوازن بين التفاؤل المثمر والحذر من المخاطر، وليكن المنهج: توقع الأفضل واستعد للأسوأ.

saeed_ateq@