دبلوماسية جنرالات الرئيس
الأربعاء - 19 سبتمبر 2018
Wed - 19 Sep 2018
الجنرال جوزف فوتيل هو قائد القيادة المركزية الأمريكية Cent Com منذ يناير 2016، واختياره لهذا المنصب جاء توافقيا بين المؤسستين العسكرية والسياسية لحساسية المرحلة الانتقالية بين إدارتين. وأمر إيكال مهمة سياسية لجنرال بقدراته ليس بالجديد في الأعراف السياسية الأمريكية للإعلان عن سياسة جديدة أو في احتواء موقف سياسي عالي الحساسية، لذلك جاء لقاؤه في الكويت برؤساء أركان دول الخليج العربية ونظرائهم من مصر والأردن لإيصال رسائل عدة، أولها وأد فكرة الناتو العربي، وكذلك مشروع القمة الأمريكية الخليجية. فكليهما سوق له من قبل أطراف خليجية كمدخل لحل الأزمة الخليجية، مما زاد في حالة الفتور القائمة بين الرياض وواشنطن.
لم تكن هذه هي أول مهمة دبلوماسية للجنرال فوتيل، فقد تم اختياره على أساس ذلك في مرحلة مفصلية في العلاقات الأمريكية الخليجية إبان إدارة الرئيس أوباما. أما في الحالة الراهنة، فإن إدارة الرئيس ترمب توشك على دخول مرحلة البطة العرجاء واضطرار الرئيس للتفرغ النسبي لإدارة حملة إعادة انتخابه ومواجهة كونجرس غالبيته ديمقراطي حسب المؤشرات قبل الانتخابات النصفية المقبلة. ولوجود عدة ملفات كبرى تستدعي جهودا خاصة وأولها دخول حزمة العقوبات الجديدة على إيران حيز التنفيذ مطلع نوفمبر المقبل، لذلك قد تقرأ جولة الجنرال فوتيل الأخيرة بمثابة إيجاد المخارج السياسية المناسبة من تعهدات الرئيس ترمب للأطراف الخليجية الداعمة للقمة الخليجية والناتو العربي، واللذين لم يلاقيا أي قبول من الرياض. وبذلك يرفع الحرج عن الرئيس وبكلفة سياسية أقل لإدارته في حال أوكلت لأي من وزيري الخارجية أو الدفاع. الأولويات لتلكم الوزارتين الآن تنحصر في احتواء ما يمكن أن تنتجه تلك الحزمة من العقوبات على إيران سريعا، خصوصا وتزامن ذلك مع حالة من عدم الاستقرار في كل من إيران والعراق، وسبل احتوائها والحد من تحولها إلى أزمات عابرة للحدود. وذلك سوف يستلزم وجود توافق تام مع المملكة العربية السعودية، كونها الدولة المركزية بالإضافة لحلفائها.
إيران والإرهاب كانا جوهر رسالة الإدارة الأمريكية من الكويت، إلا أن على إدارة ترمب وضع آليات واضحة لا يكتنفها غموض في مواجهة مصادر التهديدات الإيرانية والملف اليمني أولها. أما فيما يخص تجاوز الأزمات لمواجهة تلك التحديات، فعلى الولايات المتحدة النأي بالنفس تماما من الأزمة مع قطر لأنها شأن خليجي خالص. فحتى مع وجود ما يسميه الآخرون بالأزمة مع قطر (الأفضل تسميتها بسياسة الاحتواء الفاعل للعبثية القطرية)، إلا أنها ما زالت عضوا كاملا في منظمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية ولم تحرم من حق المشاركة الكامل في أعمال اللجان بما فيها الأمني والدفاعي. ومن الخطأ افتراض أن دول الخليج المقاطعة قد تتخلى عنها في حال تعرضها لأي شكل من أشكال التهديد لأمنها أو استقرارها، ويجب الفصل بين ما تسوقه قطر حول الإجراءات الوقائية التي تطبقها الدول المقاطعة لها وتحديات الأمن المشترك. الأغرب في الموقف الأمريكي هو عدم تعليق إدارة الرئيس ترمب على قائمة الإرهاب التي أصدرتها قطر في مارس الماضي، وبماذا يفسر الاعتراف القطري دون اتخاذ إجراءات حقيقية في حق قائمة الإرهابيين ومن أدار المؤسسات الممولة للإرهاب.
نحن لن نشكك في نوايا المؤسسة العسكرية الأمريكية، ونتفق والجنرال فوتيل من حيث تحديد مصادر التهديد الآني لأمننا القومي المشترك، إلا أن ما يقلقنا هو التحولات في الرؤى الاستراتيجية للإدارات المتعاقبة تجاه منطقة الشرق الأوسط ومفهومنا للاستقرار القابل للاستدامة. والمؤسسة العسكرية الأمريكية تحديدا كانت أكبر من تعرض لاستنزاف قياداتها التي تعارض موقفها السياسي والأخلاقي مع سياسات بلادهم منذ غزو العراق في عام 2003، وتسليمه لإيران. والذاكرة القصيرة تستحثنا في عجالة لإجراء مقارنة سريعة لمفهوم الولايات المتحدة لأمن حلفائها منذ الإعلان عن التحالف الدولي لمحاربة داعش في أغسطس 2014، فهو أبلغ الأمثلة على تنصل الولايات المتحدة من تعهداتها لحلفائها عبر تفسيرها بما يتناسب ومصالحها وإن كانت على حساب باقي الحلفاء. والرئيس ترمب لم يختلف عن سلفه أوباما في ذلك عندما اعترف بالقدس وحرق معها كل جسور السلام الممكنة.
رفض الولايات المتحدة إدراك مفهومنا لأمننا القومي المشترك قد يكون مرده عدم تعبيرنا بأدوات سياسية عن مشروع سياسي حقيقي قادر على تأمين مصالحنا الاستراتيجية، وقد تكون قد قرأت ذلك من تراخي الموقف من الاتحاد الخليجي الذي دعا إليه الراحل الملك عبدالله. ولا تختلف تجربة الدول الأوروبية التي عانت من نفس الأمر مع الولايات المتحدة من خلال توسعها المتسارع لحلف الناتو شرقا فأنتج أزمات أضافت للتحديات الأوروبية. لذلك على دولنا اليوم تطوير منظوماتها الدفاعية الإقليمية أولا (درع الجزيرة)، ولا يمنع ذلك من تطوير علاقات دفاعية خاصة مع دول عربية نتصل وإياها جغرافيا. فقد أثبتت التجربة قدرة القوة السعودية والإماراتية ضمن منظومة درع الجزيرة على إنفاذ إرادتنا الوطنية في احتواء الأزمات وفي مواجهة التحديات.
لم تكن هذه هي أول مهمة دبلوماسية للجنرال فوتيل، فقد تم اختياره على أساس ذلك في مرحلة مفصلية في العلاقات الأمريكية الخليجية إبان إدارة الرئيس أوباما. أما في الحالة الراهنة، فإن إدارة الرئيس ترمب توشك على دخول مرحلة البطة العرجاء واضطرار الرئيس للتفرغ النسبي لإدارة حملة إعادة انتخابه ومواجهة كونجرس غالبيته ديمقراطي حسب المؤشرات قبل الانتخابات النصفية المقبلة. ولوجود عدة ملفات كبرى تستدعي جهودا خاصة وأولها دخول حزمة العقوبات الجديدة على إيران حيز التنفيذ مطلع نوفمبر المقبل، لذلك قد تقرأ جولة الجنرال فوتيل الأخيرة بمثابة إيجاد المخارج السياسية المناسبة من تعهدات الرئيس ترمب للأطراف الخليجية الداعمة للقمة الخليجية والناتو العربي، واللذين لم يلاقيا أي قبول من الرياض. وبذلك يرفع الحرج عن الرئيس وبكلفة سياسية أقل لإدارته في حال أوكلت لأي من وزيري الخارجية أو الدفاع. الأولويات لتلكم الوزارتين الآن تنحصر في احتواء ما يمكن أن تنتجه تلك الحزمة من العقوبات على إيران سريعا، خصوصا وتزامن ذلك مع حالة من عدم الاستقرار في كل من إيران والعراق، وسبل احتوائها والحد من تحولها إلى أزمات عابرة للحدود. وذلك سوف يستلزم وجود توافق تام مع المملكة العربية السعودية، كونها الدولة المركزية بالإضافة لحلفائها.
إيران والإرهاب كانا جوهر رسالة الإدارة الأمريكية من الكويت، إلا أن على إدارة ترمب وضع آليات واضحة لا يكتنفها غموض في مواجهة مصادر التهديدات الإيرانية والملف اليمني أولها. أما فيما يخص تجاوز الأزمات لمواجهة تلك التحديات، فعلى الولايات المتحدة النأي بالنفس تماما من الأزمة مع قطر لأنها شأن خليجي خالص. فحتى مع وجود ما يسميه الآخرون بالأزمة مع قطر (الأفضل تسميتها بسياسة الاحتواء الفاعل للعبثية القطرية)، إلا أنها ما زالت عضوا كاملا في منظمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية ولم تحرم من حق المشاركة الكامل في أعمال اللجان بما فيها الأمني والدفاعي. ومن الخطأ افتراض أن دول الخليج المقاطعة قد تتخلى عنها في حال تعرضها لأي شكل من أشكال التهديد لأمنها أو استقرارها، ويجب الفصل بين ما تسوقه قطر حول الإجراءات الوقائية التي تطبقها الدول المقاطعة لها وتحديات الأمن المشترك. الأغرب في الموقف الأمريكي هو عدم تعليق إدارة الرئيس ترمب على قائمة الإرهاب التي أصدرتها قطر في مارس الماضي، وبماذا يفسر الاعتراف القطري دون اتخاذ إجراءات حقيقية في حق قائمة الإرهابيين ومن أدار المؤسسات الممولة للإرهاب.
نحن لن نشكك في نوايا المؤسسة العسكرية الأمريكية، ونتفق والجنرال فوتيل من حيث تحديد مصادر التهديد الآني لأمننا القومي المشترك، إلا أن ما يقلقنا هو التحولات في الرؤى الاستراتيجية للإدارات المتعاقبة تجاه منطقة الشرق الأوسط ومفهومنا للاستقرار القابل للاستدامة. والمؤسسة العسكرية الأمريكية تحديدا كانت أكبر من تعرض لاستنزاف قياداتها التي تعارض موقفها السياسي والأخلاقي مع سياسات بلادهم منذ غزو العراق في عام 2003، وتسليمه لإيران. والذاكرة القصيرة تستحثنا في عجالة لإجراء مقارنة سريعة لمفهوم الولايات المتحدة لأمن حلفائها منذ الإعلان عن التحالف الدولي لمحاربة داعش في أغسطس 2014، فهو أبلغ الأمثلة على تنصل الولايات المتحدة من تعهداتها لحلفائها عبر تفسيرها بما يتناسب ومصالحها وإن كانت على حساب باقي الحلفاء. والرئيس ترمب لم يختلف عن سلفه أوباما في ذلك عندما اعترف بالقدس وحرق معها كل جسور السلام الممكنة.
رفض الولايات المتحدة إدراك مفهومنا لأمننا القومي المشترك قد يكون مرده عدم تعبيرنا بأدوات سياسية عن مشروع سياسي حقيقي قادر على تأمين مصالحنا الاستراتيجية، وقد تكون قد قرأت ذلك من تراخي الموقف من الاتحاد الخليجي الذي دعا إليه الراحل الملك عبدالله. ولا تختلف تجربة الدول الأوروبية التي عانت من نفس الأمر مع الولايات المتحدة من خلال توسعها المتسارع لحلف الناتو شرقا فأنتج أزمات أضافت للتحديات الأوروبية. لذلك على دولنا اليوم تطوير منظوماتها الدفاعية الإقليمية أولا (درع الجزيرة)، ولا يمنع ذلك من تطوير علاقات دفاعية خاصة مع دول عربية نتصل وإياها جغرافيا. فقد أثبتت التجربة قدرة القوة السعودية والإماراتية ضمن منظومة درع الجزيرة على إنفاذ إرادتنا الوطنية في احتواء الأزمات وفي مواجهة التحديات.