معادلة الحياة
الثلاثاء - 10 ديسمبر 2024
Tue - 10 Dec 2024
من كدر الدنيا أن تكون فاهما غير مفهوم، وقادرا غير مقدّر، وثقة غير موثوق، ومن عجائبها اختلاف ميزانها عن قواعدها، فالأقل مهارة توظف، والأقل وسامة تزوج، وثالثة الأثافي أن الذي كنت تضحك عليه في المجلس صار مديرا، بل الذي كان لا يجلس إلا في آخر الفصل، ولا يعرف تركيب جملتين في حديثه، صار متحدثا رسميا، ومن كان يرسب في الرياضيات قد اتجر، وأنت لم تزل تفكر في حلمك والآمال التي تناسبك، وفي خاطرك تتساءل: أليس لي في هذه الدنيا حظ!
لكنك لم تسل نفسك عما تخفيه تلك النجاحات لأصحابها، فلم تقل مثلا: هل الذي قُبل في الجامعة وجد وظيفة تليق به؟ والذي تزوج هل رزق بطفله؟ والثالث الذي اتجر، أتراه قرير العين أم أسيرا لأدويته؟ بل إن منهم من سيفارق الحياة كلها وهو لا يزال في ربيع عمره.
فما أجمل المناظر وهي بعيدة، إذ المجهر الذي يقرّب لك الأشياء والناس يكشف لك تفاصيل لم تكن تحب أن تراها.
ورغم ذلك، أتشعر بالخذلان؟ إذ لم تنل - كما تظن - ما يليق بك!
هون عليك، واعلم أنك لست في هذه الدنيا وحدك ممن ينتابه هذا الشعور، باختلاف طبقات الناس وأحوالهم وآمالهم وثرواتهم؛ فمن لديه الألف يتمنى العشرة، ومن يملك الشقة يأمل في الفيلا، ومن ورث المليون يطمح للمئة، وصاحب البرج التجاري، يفكر في ناطحة السحاب، وهكذا.
فابن آدم طماح بطبعه، ومجبول على الرغبة بنفسه، ومتعجل في رزقه، "فكان عجولا"، بل وقد "خلق من عجل"، والذي يزيد الأمر تعقيدا، هو أنك لا تكاد ترى مستعجلا نال ما يرتجيه، ولا متأنيا تأخر عما يبغيه، فالأول ينهك روحه قبل جسده، والثاني يستمتع حتى في طريقه إلى هدفه.
وكما قال الأول:
من لي بمثل مشيك المعتدل
تمشى الهوينا وتجي في الأول
فهل يعني هذا: عليّ أن أكون بطيئا! أو غير مبالٍ بليدا؟
بالطبع لا، ولن يقول بذلك عاقل، ولعل قادم أيامك أكمل وأجمل، فثمة أمثلة كثيرة لمن لم تبدأ حياتهم إلا بعد الستين.
فها هو كنتاكي انطلق وقد امتلأ الرأس شيبا، بينما أوباما ترجل وترك رئاسة أمريكا في منتصف الخمسين، وكأن نهاية أوباما هي بداية لكنتاكي! فلم يكونا على مضمار سباق واحد أبدا، بل كان كل واحد منهما يجري في مضماره، ويدور في فلكه، ويسبح في نهره، وإن رئاسة أمريكا التي كانت للثاني لم تكن ضمن ما كتب للأول، وإن تجارة كنتاكي العظمى لم تكن في طريق أوباما.
وهو ما يقودنا للقول إنك لست غيرك، وإن سباقك هو معك، وإن نجاحك في التغلب على ظروفك، والتكيف مع محيطك، والبعد كل البعد عن التفكير بمخ غيرك، أو المقارنة بما يملك صاحبك، فمضمار سباقك ليس فيه أحد إلا أنت.
ليأتي السؤال الأهم الذي يدور في خلدك، ما المعادلة التي تعيدني إلى سكة القطار الذي يأخذني إلى حيث يليق بي، دون أن يؤخرني أو يتعطل بي؟
والجواب هو في معادلة الحياة، التي تجعل الحليم - في مدرستها - حيرانا، كيف لا وهي تجري بخلاف ما تعلمناه في المدارس!
ففي المدرسة تتعلم الدروس أولا، ثم بعد ذلك تختبر بها، بينما في مدرسة الحياة الأمر على العكس، فهي تختبرك أولا؛ لتعلمك الدروس من اختباراتها، فتخضعك لترفعك، وتمحصك لتصفيك، وتمنعك لتعطيك، وتحول دونك لتحميك، فإذا قبلت بمعادلتها الصعبة، وبذلت بلا كلل أو ملل أو تقصير أو خلل، ثم بما نلت رضيت، فمن رضي فله الرضى، ﴿ولسوف يعطيك ربك لترضى﴾.
NAYEFCOM@
لكنك لم تسل نفسك عما تخفيه تلك النجاحات لأصحابها، فلم تقل مثلا: هل الذي قُبل في الجامعة وجد وظيفة تليق به؟ والذي تزوج هل رزق بطفله؟ والثالث الذي اتجر، أتراه قرير العين أم أسيرا لأدويته؟ بل إن منهم من سيفارق الحياة كلها وهو لا يزال في ربيع عمره.
فما أجمل المناظر وهي بعيدة، إذ المجهر الذي يقرّب لك الأشياء والناس يكشف لك تفاصيل لم تكن تحب أن تراها.
ورغم ذلك، أتشعر بالخذلان؟ إذ لم تنل - كما تظن - ما يليق بك!
هون عليك، واعلم أنك لست في هذه الدنيا وحدك ممن ينتابه هذا الشعور، باختلاف طبقات الناس وأحوالهم وآمالهم وثرواتهم؛ فمن لديه الألف يتمنى العشرة، ومن يملك الشقة يأمل في الفيلا، ومن ورث المليون يطمح للمئة، وصاحب البرج التجاري، يفكر في ناطحة السحاب، وهكذا.
فابن آدم طماح بطبعه، ومجبول على الرغبة بنفسه، ومتعجل في رزقه، "فكان عجولا"، بل وقد "خلق من عجل"، والذي يزيد الأمر تعقيدا، هو أنك لا تكاد ترى مستعجلا نال ما يرتجيه، ولا متأنيا تأخر عما يبغيه، فالأول ينهك روحه قبل جسده، والثاني يستمتع حتى في طريقه إلى هدفه.
وكما قال الأول:
من لي بمثل مشيك المعتدل
تمشى الهوينا وتجي في الأول
فهل يعني هذا: عليّ أن أكون بطيئا! أو غير مبالٍ بليدا؟
بالطبع لا، ولن يقول بذلك عاقل، ولعل قادم أيامك أكمل وأجمل، فثمة أمثلة كثيرة لمن لم تبدأ حياتهم إلا بعد الستين.
فها هو كنتاكي انطلق وقد امتلأ الرأس شيبا، بينما أوباما ترجل وترك رئاسة أمريكا في منتصف الخمسين، وكأن نهاية أوباما هي بداية لكنتاكي! فلم يكونا على مضمار سباق واحد أبدا، بل كان كل واحد منهما يجري في مضماره، ويدور في فلكه، ويسبح في نهره، وإن رئاسة أمريكا التي كانت للثاني لم تكن ضمن ما كتب للأول، وإن تجارة كنتاكي العظمى لم تكن في طريق أوباما.
وهو ما يقودنا للقول إنك لست غيرك، وإن سباقك هو معك، وإن نجاحك في التغلب على ظروفك، والتكيف مع محيطك، والبعد كل البعد عن التفكير بمخ غيرك، أو المقارنة بما يملك صاحبك، فمضمار سباقك ليس فيه أحد إلا أنت.
ليأتي السؤال الأهم الذي يدور في خلدك، ما المعادلة التي تعيدني إلى سكة القطار الذي يأخذني إلى حيث يليق بي، دون أن يؤخرني أو يتعطل بي؟
والجواب هو في معادلة الحياة، التي تجعل الحليم - في مدرستها - حيرانا، كيف لا وهي تجري بخلاف ما تعلمناه في المدارس!
ففي المدرسة تتعلم الدروس أولا، ثم بعد ذلك تختبر بها، بينما في مدرسة الحياة الأمر على العكس، فهي تختبرك أولا؛ لتعلمك الدروس من اختباراتها، فتخضعك لترفعك، وتمحصك لتصفيك، وتمنعك لتعطيك، وتحول دونك لتحميك، فإذا قبلت بمعادلتها الصعبة، وبذلت بلا كلل أو ملل أو تقصير أو خلل، ثم بما نلت رضيت، فمن رضي فله الرضى، ﴿ولسوف يعطيك ربك لترضى﴾.
NAYEFCOM@