شاكر أبوطالب

التبرع بالأعضاء.. حيوات أخرى!

الأحد - 09 سبتمبر 2018

Sun - 09 Sep 2018

تشير آخر الإحصاءات إلى أن نحو 16 ألف مريض في السعودية يعانون من الفشل العضوي، أي لديهم أعضاء تالفة؛ بينهم نحو ألفي طفل، وجميعهم في حاجة إلى زراعة كلية أو كبد أو قلب أو رئة أو بنكرياس، لإنهاء معاناتهم مع الأمراض وعلاجاتها وآلامها.

ومنذ أكثر من 30 عاما، تجاوزت عمليات زراعة الأعضاء في المملكة 14 ألف عملية، بواقع 30 عملية زراعة عضو لكل مليون نسمة، دفعت بالسعودية لأن تكون في المرتبة 37 عالميا.

ورغم مبادرة نحو مليوني شخص برغبتهم في التبرع بالأعضاء في الحياة أو بعد الوفاة الدماغية، منهم 1900 شخص تم توثيق موافقة ذويهم للتبرع بأعضائهم بعد الوفاة، إلا أن الفجوة لا زالت كبيرة، خاصة مع الزيادة السنوية لعدد مرضى الفشل العضوي المحتاجين إلى زراعة الأعضاء.

وفي السعودية لا تزال ثقافة التبرع بالأعضاء لا تحظى بالقدر الكافي من الانتشار والقبول، فالوعي بأهمية التبرع بالأعضاء في حدوده الدنيا على صعيدي الفرد والمجتمع السعودي، والحوافز ليست مشجعة أو مغرية للأفراد الأصحاء، للإقدام على هذه الخطوة التي ستكتب مستقبل أفضل لحياة العديد من مرضى الفشل العضوي المنتظرين في قوائم طويلة عددا وزمنا.

وربما تكون المعلومات الخاطئة الشائعة عائقا أمام نمو حالات التبرع بالأعضاء، فبعضهم لا يعرف معنى «الموت الدماغي»، وآخرون يؤمنون بقداسة الجسد وحرمة المساس به بعد الوفاة. ومنهم من لا يعلم أن عملية التبرع

من الحي مشروطة بسلامة وصحة المتبرع على المدى البعيد، والتأكد من عدم وجود مؤشرات مستقبلية تهدد حياته. إضافة إلى أن تبرع الميت دماغيا بأعضائه لا يشوه جثمانه، ولا يؤخر دفنه، بل سيسهم تبرعه على الأقل في منح سبعة مرضى بالفشل العضوي حياة جديدة أقل معاناة وآلاما.

هناك عدد من العوامل التي تؤثر على الموقف من التبرع بالأعضاء، بما في ذلك التعليم، والحالة الاجتماعية، والمستوى الاقتصادي، والثقافة، والدين. وهنالك أيضا استراتيجيات مجربة عالميا نجحت في إحداث تغيير في المواقف السلبية تجاه التبرع بالأعضاء، منها: مواصلة نشر المعرفة والثقافة بالتبرع بالأعضاء، وتعزيز النقاش حول التبرع بالأعضاء داخل الأسر والمدارس والمجتمع، وتدريب وتأهيل المنظومة الطبية ذات العلاقة، وإنشاء أنظمة الحوافز المشجعة ذات الأثر الاقتصادي، وتشديد الرقابة التنظيمية، وتعزيز الحملات الإعلامية، وغيرها من الاستراتيجيات التي قد تسهم في زيادة معدل التبرع بالأعضاء.

ومع أن المملكة رابعة دول العالم بالنسبة للمتبرعين الأحياء، وفي المرتبة 43 بالنسبة للمتوفين دماغيا، إلا أننا نحتاج فعلا لمواصلة الحملات التثقيفية على مستوى الوطن للخروج من مرحلة التوجس والخوف من التبرع بالأعضاء من الأحياء، والوصول إلى مرحلة الإيمان والطمأنينة بقدرة كل فرد بالغ صحيح الجسد على التبرع بكلية أو جزء من الكبد، أو حتى التبرع بالخلايا الجذعية أو الدم، دون أن يؤثر التبرع على حياة المتبرع ومستقبله الصحي.

ونحتاج أيضا للتطبيق الفعلي لأمنيات أقارب كل مريض بأن يحصل على فرصة زراعة عضو صحيح بديل للعضو التالف لديه، من خلال مبادرة الأقارب القادرين على التبرع، بدلا من انتظار متبرع آخر قد يأتي بعد فوات الأوان، فالأمنيات؛ رغم أهميتها، لا تكفي وحدها لتخليص قريب مريض بالفشل العضوي من آلامه التي تلازمه!

والأمل معقود على تصميم خطة إعلامية وحملة إعلانية على الصعيد الوطني، لغرس ثقافة التبرع بالأعضاء من الأحياء والموتى دماغيا، وتكريس هذه الثقافة داخل الأسرة والمدرسة والجامعة والمجتمع، من خلال إنتاج ونشر مواد إعلامية توعوية تروي جانبا من قصص نجاح التبرع بالأعضاء، لإنهاء معاناة المرضى المتشبثين بأمل قائمة الانتظار التي أصبحت طويلة أكثر من أي وقت مضى.