محمد النفاعي

حكاية الدمية ماتريوشكا

الجمعة - 07 سبتمبر 2018

Fri - 07 Sep 2018

فتح تنظيم روسيا لكأس العالم أعيننا على دمية روسية مشهورة تسمى «ماتريوشكا»، وينسب إلى فازيلى زفيوزدوشكين فضل صناعة أول دمية ماتريوشكا في نهاية القرن الـ 19، وهو حرفي روسي كان يعمل في الخراطة وحفر الخشب وصناعة الدمى. هذه الدمية المزخرفة عادة ما تمثل المرأة الروسية الريفية باللباس التقليدي وتوضع في داخلها دمى أقل حجما. تطورت مع مرور الزمن حتى أصبحت ذات أشكال وأحجام مختلفة، منها ما ظهر خلال الصيف كنماذج للاعبي منتخبات كأس العالم بمناسبة تنظيم البطولة. ويتراوح عدد الدمى في داخل الماتريوشكا من 3 إلى 5 دمى، كلها مجوفة وعلى شكل بيضة ذات قعر مسطح تتألف من قسمين علوي وسفلي. الدمية الأصغر تكون قطعة واحدة كاملة ليست مجوفة ولا تنفصل من المنتصف.

اقتنى ابني الصغير إحدى هذه الدمى خلال إقامة كأس العالم، ولم يكتف باقتنائها، بل بادرني بسؤال مفاده: أي شخصية «نموذج» هي الأفضل يا أبي؟

أجبته بأن النموذج الأفضل هو الصغير لأنه الأكمل مقارنة بالنماذج الأخرى. من حسن حظي أنه اكتفى بهذه الإجابة ولم يتبعها بسؤال آخر كما هي عادة الصغار، وواصل لعبه بالدمية.

سؤاله عن الـ «ماتريوشكا» حفز في ذهني وأثار تساؤلاتي أيضا. هل فعلا الدمية الصغرى هي الأفضل أم الكبرى لأنها تحوي الجميع! وهل من الممكن إسقاط تصميم هذه الدمية علينا نحن بني البشر في الحياة بشكل عام أو في بيئة العمل بشكل خاص؟

أعتقد شخصيا أنه من الممكن اعتبار النموذج الأصغر والأكمل يمثل الفطرة التي جميعنا نخلق عليها، كما جاء في الحديث النبوي «ما من مولود إلا يولد على الفطرة». أما النماذج الأخرى فهي ما نتطبع به ونكتسبه من خبرات وتجارب وقناعات مع مرور الزمن سواء سلبا أو إيجابا.

ومن منظور آخر، من الممكن اعتبار النموذج الأصغر هو «الجوهر» والذي يتحتم علينا بذل الجهد بأن نفك الدمية 4 مرات حتى نصل إليه. كما هي الحياة، يجب أن تمر علينا تجارب كثيرة حتى تصقلنا لنخرج أفضل ما لدينا. هذا يذكرني بالحجر المتحول «الميكا سيشت» الذي يتألف من صفائح من معادن قشرية مثل الميكا، والتي بدورها تحصر بين طبقاتها حبيبات دقيقة متبلرة عبارة عن مواد خام للأحجار الكريمة كالزمرد. يجب أن تصقل هذه الصخور المتحولة حتى نستخرج منها الأحجار الكريمة.

كم شخص يملك موهبة ما، والتي تماثل هذا الحجر الكريم، مدفونة وموجودة ولكن تحتاج إلى كثير من الصقل والتدريب حتى ترى النور. إحدى نظريات التدريب في التنمية البشرية تسمى قاعدة الـ 10,000 ساعة، وهي مدة التدريب على المهارة حتى تصل إلى مستوى الإبداع والاحترافية فيها.

بالمقابل هناك من يكون جوهره جميلا ولكنه يتقمص الماتريوشكا ولا يظهره للآخرين لأي سبب كان. هنا أتذكر أحد الموظفين الذي عملت معه، وكان يتعامل باستعلاء مع الزملاء معتمدا كثيرا على ذكائه وفطنته العملية. لم يكن يحظى بالقبول الاجتماعي، حيث دأب الجميع على تحاشيه قدر المستطاع. بلا شك، هذا قد يكون أحد أسباب تعثر مستقبله الوظيفي. في حواري معه في أحد اجتماعات المشورة كرئيس مباشر له أسديت له نصيحة. قلت له ببساطة «لا تحرم الآخرين أن يروا جمالك الداخلي».

هذه باختصار حكايتي مع الدمية ماتريوشكا، ترى عزيزي القارئ ما هي حكايتك أنت؟

msnabq@