عبدالله الجنيد

العراق، أزمة المرجعية الوطنية

الأربعاء - 05 سبتمبر 2018

Wed - 05 Sep 2018

الكتلة البرلمانية الأكبر التي يبحث في أمرها العراق تقررها أصغر كتل العراق، وهنا أنا لا أتحدث عن الأحزاب والأطياف أو الملل، بل حزمة القيادات السياسية التي قدمت من طهران وأوروبا بالإضافة للولايات المتحدة عام 2003. ومع أن هؤلاء قد استوطنوا العراق مذ ذاك الحين إلا أنهم لم يغادروا انتماءاتهم الطائفية والعرقية ليكونوا عراقيين أولا. أزمة العراق الآن ليست أخلاقية أو سياسية، بل أزمة وطن أضاع مواطنيه.

الآن يتم إيلاج العراق نفق تيه جديد تحت عنوان البحث عن الكتلة الأكبر، في حين يغيب حق الحزب الحائز النسبة الأكبر من المقاعد في تشكيل ائتلاف ثنائي أو ثلاثي كما هو متعارف عليه في كل برلمانات العالم. وهذه الحالة العراقية هي نتيجة تغول كل المرجعيات على مرجعية الوطن في المعادلة العراقية سياسيا. فأمر تشكيل الكتلة الأكبر مشاع للجميع، مع احتفاظ بعضها ككتلة إيران والأكراد الحق في ممارسة الحردنة السياسية أو الثلث المعطل. أما الحزب الإسلامي العراقي (الإخوان) فقد تأقلم باقتدار مع الواقع، فهو سني عندما يستدعي الأمر ذلك، وممثل لمصالح آخرين في أوقات أخرى، وحليف لمن يتحالف معه أصحاب تلك المصالح. فالأولوية بالنسبة لهذا الحزب هي الإبقاء على المعادلة التي تضمن له التميز ضمن معادلة اقتسام المصالح عراقيا.

وحتى انتفاضة أهل العراق من البصرة إلى الأنبار لم تحدث خدشا في درع المعادلة السياسية. فالبصرة التي كانت تضاهي البندقية في عشرينات القرن الماضي تحولت ممراتها المائية إلى قنوات لتصريف المجاري، وبساتينها بور يتعفف عنها الجراد، ومع كل ذلك يتصرف الجميع كأنها تقع في مجرة أخرى. المرجعيات كلها، الطائفي والعرقي والولائي قد أدمن السلطة لدرجة الإخفاق في قراءة التحولات الاجتماعية بافتراضها استدامة الواقع. أما قياداتها الدينية المستكينة لهذه المعادلة فسوف تواجه استحقاقات هذه المهادنة السياسية عاجلا أو آجلا.

المنظومة القائمة والمرتكزة على العمائم والقبلية والأعراق بات عليها إعادة تقييم الواقع العراقي سريعا، فما يحدث في إيران من تحولات دوافعه اختلال العدالة الاجتماعية لا السياسية. ومآلات ذلك النظام بيد الإيرانيين، إلا أن إيران الآن أقل قدرة على إبراز عناصر القوة التقليدية في العراق بشكل منفرد، وإلا كانت احتوت الاحتجاجات بالأدوات التقليدية. لذلك نجدها تستثمر في الاستشكال البرلماني والعبث في أمر الكتلة الأكبر.

من هنا ينطلق الأكراد والإخوان في البحث عن الصفقات السياسية في ترجيح الفائز، لذلك يبقي كلاهما الخيارات مفتوحة على كل الاحتمالات، شرط ضمان الحد الأقصى الممكن من مصالحهما باسم تمثيل السنة والأكراد.

قد يتوجب على الأكراد توظيف أدوات غير تقليدية الآن، وترحيل أمر محاسبة العبادي إلى وقت آخر أو ربما طرح مرشح توافقي يحقق تلك المحاسبة بشكل غير مباشر. أما فيما يخص الكتلة السياسية الموالية لإيران، فإنها اليوم لم تعد القوة الأكبر عراقيا. وعلى الرغم من كارثية المشهد العراقي وتعقيداته، إلا أن تعمق الخلاف بين الكتل السياسية الشيعية قد يفضي لواقع بمعطيات جديدة قد تسهم في إيقاظ بعض العراق في الكتل السياسية المتصارعة على السلطة. فهذه الأحزاب لا تعتمد مبدأ شمشون (علي وعلى أعدائي يا رب)، بل قد يفرض التحدي القائم براغماتية غير معهودة قد تقود لاحقا إلى تحسس طريق العودة لمرجعية عراقية.

@aj_jobs