شاكر أبوطالب

تغريدات الهيئة وتحولات اللغة الرسمية

الاثنين - 03 سبتمبر 2018

Mon - 03 Sep 2018

تصدرت تغريدات هيئة الإذاعة والتلفزيون المشهد السعودي منتصف الأسبوع الماضي، بشأن تفاعلها مع تغريدات المستشار تركي آل الشيخ، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرياضة، حول النقل التلفزيوني المجاني لكأس دوري الأمير محمد بن سلمان للمحترفين.

ومأخذ بعض المغردين على تغريدات الهيئة التي يرأسها الإعلامي داوود الشريان، بسبب طبيعة اللغة المستخدمة في كتابة التغريدات، حيث لم يعتادوا من مؤسسة حكومية استخدام اللهجة العامية الممزوجة بكلمات ساخرة أو تعليقات مضحكة في مخاطبتها للجمهور.

وربما غاب عن الكثير مسألة تغير قواعد التواصل مع انتشار الانترنت والهواتف الذكية والشبكات والتطبيقات الاجتماعية، وأن هناك تحولات شهدتها عمليات إنتاج اللغة والصورة والصوت والفيديو، وأن أدوات التواصل لم تعد حكرا على النخب السياسية والاقتصادية والثقافية، كما الحال بالنسبة لوسائل الإعلام، وبالتالي تغيرت الشروط، وتباينت الظروف، واختلفت الأدوات، ومنها اللغة المستخدمة التي استجابت لأساليب مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعية ومحاولاتهم لمخالفة العادات والتقاليد، فأصبح الجمهور هو من يصنع قائمة أولوياته وبشروطه ولغته.

ورغم أن لتطبيق تويتر شروطه الخالصة في إنتاج محتواه، وتقاليده الخاصة في خلق حالة التواصل بين مستخدميه، استطاع السعوديون الذين ينشطون كثيرا في وسائل التواصل الاجتماعية، أن يحجزوا لهم مكانة متقدمة بين المغردين من جميع أنحاء العالم، حتى أصبح تويتر برلمانهم الذي يناقشون فيه قضاياهم وبلغتهم وشروطهم؛ وهيأ التفاعل الكبير والواسع بين المغردين السعوديين لخلق بيئة افتراضية جديدة ذات شروط خاصة، ساعد ذلك في انتقال اللهجة الدارجة أو اللغة البيضاء إلى مستوى التعبير لدى شخصيات حكومية أو جهات رسمية.

ومنذ 2006 تطورت اللغة التي يستخدمها السعوديون في تغريداتهم، فأصبحت هذه اللغة تستجيب للاختصار الذي يفرضه تويتر، بل تجاوزت ذلك إلى استيعاب الأساليب الطريفة والساخرة العامية؛ بما فيها (قصف الجبهة)، وهي الردود المسكتة، أو (الطقطقة)، التي هي أقرب للمناكفة، فأمست بعض التغريدات أسهل فهما وانتشارا وتذكرا بين المغردين.

ومن المزايا التي جعلت تويتر تطبيقا مفضلا في السعودية أن لكل مغرد منصة خاصة به وعامة للتعبير، ولكل مغرد الفرصة ذاتها في أن يكون قائما بالاتصال أو متلقيا للاتصال أو متفاعلا مع الاتصال، دون تمييز أو تفضيل، الأمر الذي سحب البساط من تحت أقدام النخب، ومده تحت أقدام العامة.

وأمام كثافة المحتوى المتداول في تويتر، والسرعة في التفاعل معه، وسبق النشر للتغريدات دون رقابة أو مراجعة لغوية، وضعف المهنية المتبعة في وسائل الإعلام التقليدية، ونمو إنتاج الوسوم (الهاشتاقات)، فأدت إلى تراجع المحتوى النخبوي مقارنة بالمحتوى العامي؛ لمواكبة الزيادة في الطلب على التغريدات ذات المحتوى الخبري والمعرفي والتفاعلي.

ويجدر ببعض الكليات والأقسام الإعلامية والاجتماعية والدراسات الثقافية الاهتمام برصد وتحليل التغيرات الطارئة على لغة التخاطب وأساليب النقاش بين المغردين السعوديين بشكل خاص، وفي بقية وسائل التواصل الاجتماعية بشكل عام، والتي تجسد جزءا مهما من بناء الوعي العام والتأريخ للمجتمع السعودي، بل وتشكيل صورته الافتراضية في الواقع؛ خاصة أن السعودية ضمن قائمة الدول العشر الأكثر استخداما لتطبيقات التواصل حول العالم؛ نتيجة التركيبة السكانية الشبابية، وتفاعلهم المتواصل لمواكبة الأحداث أثناء حدوثها، ومناقشة المبادرات بما فيها البرامج والفعاليات الحكومية.

وعودا على تغريدات الهيئة، فإن اللغة التي استخدمتها في تغريداتها المثيرة للجدل والنقاش لم تكن إلا انعكاسا للغة والأسلوب الأكثر شيوعا في تغريدات السعوديين، وإلا لوجدت ممانعة نخبوية واسعة وقوية تجعلها خاضعة للاعتذار والتراجع بما ينسجم مع اللغة والأسلوب المهيمنين على المشهد السعودي في تويتر!

@shakerabutaleb