حينما يصبح الرقم بلا قيمة!
الأحد - 02 سبتمبر 2018
Sun - 02 Sep 2018
تتعامل المنظمات حول الأرض بلغة الأرقام فيما يخص المال تحديدا: كم قطعة بعت؟ كم برميلا صدرت؟ كم هامش الربح؟ كم قطعة ستستورد؟
وتتعامل المنظمات حول البسيطة أيضا بلغة الأرقام حول الإنجازات: كم مراجعا خدمت؟ كم مؤلفا ترجمت؟ كم مسافرا فوجت؟ كم طالبا درست؟ وغيرها كثير.
ولأن علم الأعداد Numerology من العلوم التي تعد دخيلة على علم الرياضيات - على أقل تقدير في العصر الحاضر - إلا أن للأرقام معاني روحية ترتبط بالمرقَم وتعكس قيمة ودلالة يلزم معهما وجود تفسيرات واتخاذ قرارات ومراجعة حسابات.
خذ يا سيدي الفاضل مثالا بسيطا: ما قيمة أن أعلم أن أبا عبدالرحمن عمره 70 عاما ولديه 8 من الأبناء 4 منهم بنات في المرحلة المتوسطة والثانوية، وراتبه الشهري 6 آلاف ريال؟ لتأتيك العلاقة الروحانية بين الرقم 70 والعجز الجسدي أو الهرم، والرقم 8 والارتباط بالكثرة والتكلفة، والرقم 4 والاتصال بالحاجات اللازمة للبنات، وأخيرا الرقم 6 آلاف والإيحاء بالعوز وقلة ذات اليد!
هكذا يصبح للرقم دلالة وللعدد معنى وقيمة، وهنا يصبح مطبخ القرار في كامل جاهزيته لتقديم رأي سديد إلى مالك القرار ليقوم الأخير ببلورة الأرقام إلى قرارات وتوصيات ينعم بها أبو عبدالرحمن فتصبح الأرقام صديقة لهذا الشيخ بدلا من أن تكون خانات عددية تلازمه دونما فائدة.
وحينما يصبح الكم (وهميا متضخما) تبدأ مسلسلات الانغماس في الالتفافات والاستدارات Twists&Turns، كيف؟ أي حينما يصبح الكم العددي بلا قيمة في تشكيل قرار حقيقي يؤدي لتغيير إيجابي جذري، حينها وحينها فقط تذهب هيبة (الكم الحقيقي) ويصبح مجرد (كم مقنّع)!
ودونك هذا المثال: ما فائدة أن يبقى موظف ما في عمل (غير خدماتي) لمدة 8 ساعات وهو يعلم يقينا أنه لن يأتيه لا زائر في نهار ولا طارق في ليل؟ ما الفائدة المرجوة من أن يقوم موظف ما في أسبوع ما بالبقاء في عمله لمدة 8 ساعات يستهلك كهرباء المنشأة تكييفا أو تدفئة ويهدر وقودا في رحلته من منزله إلى مقر عمله ويصنع جلبة وازدحاما مروريا، ناهيك عن كي ملابسه وإيقاظ آل بيته واستنفاد مقدرات الشارع والمكتب واحتمالية التسبب في حادث شخصي أو مروري مع شخص آخر ينطلق في عمل آخر (للكم) فيه معنى ودلالة؟
هل يمكن بعد وجود سيناريو من هذا العيار القول مثلا بأن من ضمن إنجاز منظمة ما أن الموظف يتواجد لمدة 8 ساعات يوميا كإثبات حضور أو تأكيد تواجد بصرف النظر عن قيمة التواجد وأهمية الحضور؟ وإن شئت فقل بمعزل عن السلبيات المترتبة على هكذا نوع من (الكم)!
ما قيمة تقليط 10 ضيوف على 10 (مفطحات)؟ وما قيمة استهلاك 4 أثواب من الورق لطباعة تقرير من 20 صفحة؟ وما فائدة عمل مجلس 10م في 15 م ورب البيت لا يستقبل ضيوفا أو يأخذهم حين يباغتونه إلى مطعم مجاور؟ وما قيمة وجود 3 سيارات بالمنزل مع وجود فرد واحد يستطيع القيادة؟ ولماذا يفصل أحدهم 6 أثواب وعمله مرتبط ببدلة السلامة؟ بل ولماذا يدفع أحدهم رحلة على درجة البزنس كلاس بفارق 1000 ريال عن الدرجة الاقتصادية لرحلة لا تتجاوز 35 دقيقة؟ وأخيرا ما الفائدة من شراء شوكولاته بمبالغ فلكية لمريض ممنوع من تناولها أو شراء ورود لمبتلى بحساسية حين يستنشق أريجها؟
هذه أمثلة رقمية من حياتنا اليومية تبدو متداولة ومعتادة بيد أنها أمثلة حية لانفصال العلاقة بين روح الرقم وجسده. أمثلة تعكس أن الرقم بقدر ما كان عزيزا في صنع القرار حينما كان (حقيقيا) فإنه يصبح أيضا متميزا في صنع السخرية والتندر حينما بات (وهميا شاحبا)!
أختم بالدعوة لإعادة (روح) الرقم إلى (جسده) من خلال صنع مبررات كافية وحقيقية لمدلولات الكم في حياتنا ما صغر منها قبل ما كبر، ثم هي دعوة أيضا لأن نراجع حساباتنا فيما يتعلق بقيمة (الكيف) في شؤوننا اليومية، كيف أنجزت عملا ما؟ كيف اختصرت جهدا ما؟ كيف توصلت لفكرة ما؟ كيف تعاملت مع موقف ما؟ كيف قطعت شوطا ما؟ لنتجاهل الكم أحيانا حينما يصبح الكيف سيد الموقف، فكما أن لغة الأرقام صارخة فإن لغة الكيف والتعليل والتحليل صادحة. وحينما نصل لهذه الطمأنينة كما وكيفا حينها فقط سيصبح السيد كم والآنسة كيف فرسي رهان لأمة تنشد السبق والتفرد والوصول إلى أبعد مدى في رحلة العطاء والعملية والإنجاز.
dralaaraj@
وتتعامل المنظمات حول البسيطة أيضا بلغة الأرقام حول الإنجازات: كم مراجعا خدمت؟ كم مؤلفا ترجمت؟ كم مسافرا فوجت؟ كم طالبا درست؟ وغيرها كثير.
ولأن علم الأعداد Numerology من العلوم التي تعد دخيلة على علم الرياضيات - على أقل تقدير في العصر الحاضر - إلا أن للأرقام معاني روحية ترتبط بالمرقَم وتعكس قيمة ودلالة يلزم معهما وجود تفسيرات واتخاذ قرارات ومراجعة حسابات.
خذ يا سيدي الفاضل مثالا بسيطا: ما قيمة أن أعلم أن أبا عبدالرحمن عمره 70 عاما ولديه 8 من الأبناء 4 منهم بنات في المرحلة المتوسطة والثانوية، وراتبه الشهري 6 آلاف ريال؟ لتأتيك العلاقة الروحانية بين الرقم 70 والعجز الجسدي أو الهرم، والرقم 8 والارتباط بالكثرة والتكلفة، والرقم 4 والاتصال بالحاجات اللازمة للبنات، وأخيرا الرقم 6 آلاف والإيحاء بالعوز وقلة ذات اليد!
هكذا يصبح للرقم دلالة وللعدد معنى وقيمة، وهنا يصبح مطبخ القرار في كامل جاهزيته لتقديم رأي سديد إلى مالك القرار ليقوم الأخير ببلورة الأرقام إلى قرارات وتوصيات ينعم بها أبو عبدالرحمن فتصبح الأرقام صديقة لهذا الشيخ بدلا من أن تكون خانات عددية تلازمه دونما فائدة.
وحينما يصبح الكم (وهميا متضخما) تبدأ مسلسلات الانغماس في الالتفافات والاستدارات Twists&Turns، كيف؟ أي حينما يصبح الكم العددي بلا قيمة في تشكيل قرار حقيقي يؤدي لتغيير إيجابي جذري، حينها وحينها فقط تذهب هيبة (الكم الحقيقي) ويصبح مجرد (كم مقنّع)!
ودونك هذا المثال: ما فائدة أن يبقى موظف ما في عمل (غير خدماتي) لمدة 8 ساعات وهو يعلم يقينا أنه لن يأتيه لا زائر في نهار ولا طارق في ليل؟ ما الفائدة المرجوة من أن يقوم موظف ما في أسبوع ما بالبقاء في عمله لمدة 8 ساعات يستهلك كهرباء المنشأة تكييفا أو تدفئة ويهدر وقودا في رحلته من منزله إلى مقر عمله ويصنع جلبة وازدحاما مروريا، ناهيك عن كي ملابسه وإيقاظ آل بيته واستنفاد مقدرات الشارع والمكتب واحتمالية التسبب في حادث شخصي أو مروري مع شخص آخر ينطلق في عمل آخر (للكم) فيه معنى ودلالة؟
هل يمكن بعد وجود سيناريو من هذا العيار القول مثلا بأن من ضمن إنجاز منظمة ما أن الموظف يتواجد لمدة 8 ساعات يوميا كإثبات حضور أو تأكيد تواجد بصرف النظر عن قيمة التواجد وأهمية الحضور؟ وإن شئت فقل بمعزل عن السلبيات المترتبة على هكذا نوع من (الكم)!
ما قيمة تقليط 10 ضيوف على 10 (مفطحات)؟ وما قيمة استهلاك 4 أثواب من الورق لطباعة تقرير من 20 صفحة؟ وما فائدة عمل مجلس 10م في 15 م ورب البيت لا يستقبل ضيوفا أو يأخذهم حين يباغتونه إلى مطعم مجاور؟ وما قيمة وجود 3 سيارات بالمنزل مع وجود فرد واحد يستطيع القيادة؟ ولماذا يفصل أحدهم 6 أثواب وعمله مرتبط ببدلة السلامة؟ بل ولماذا يدفع أحدهم رحلة على درجة البزنس كلاس بفارق 1000 ريال عن الدرجة الاقتصادية لرحلة لا تتجاوز 35 دقيقة؟ وأخيرا ما الفائدة من شراء شوكولاته بمبالغ فلكية لمريض ممنوع من تناولها أو شراء ورود لمبتلى بحساسية حين يستنشق أريجها؟
هذه أمثلة رقمية من حياتنا اليومية تبدو متداولة ومعتادة بيد أنها أمثلة حية لانفصال العلاقة بين روح الرقم وجسده. أمثلة تعكس أن الرقم بقدر ما كان عزيزا في صنع القرار حينما كان (حقيقيا) فإنه يصبح أيضا متميزا في صنع السخرية والتندر حينما بات (وهميا شاحبا)!
أختم بالدعوة لإعادة (روح) الرقم إلى (جسده) من خلال صنع مبررات كافية وحقيقية لمدلولات الكم في حياتنا ما صغر منها قبل ما كبر، ثم هي دعوة أيضا لأن نراجع حساباتنا فيما يتعلق بقيمة (الكيف) في شؤوننا اليومية، كيف أنجزت عملا ما؟ كيف اختصرت جهدا ما؟ كيف توصلت لفكرة ما؟ كيف تعاملت مع موقف ما؟ كيف قطعت شوطا ما؟ لنتجاهل الكم أحيانا حينما يصبح الكيف سيد الموقف، فكما أن لغة الأرقام صارخة فإن لغة الكيف والتعليل والتحليل صادحة. وحينما نصل لهذه الطمأنينة كما وكيفا حينها فقط سيصبح السيد كم والآنسة كيف فرسي رهان لأمة تنشد السبق والتفرد والوصول إلى أبعد مدى في رحلة العطاء والعملية والإنجاز.
dralaaraj@