قبل أن ينقرض الأدب الرفيع!
الخميس - 30 أغسطس 2018
Thu - 30 Aug 2018
في عام 2012 أجرت جامعة ستانفورد العريقة دراسة قيمة حول أثر قراءة الأدب على المخ. جرى فحص مخ طالب بجهاز الرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) أثناء قراءته نصا من رواية «إيما» للكاتبة الشهيرة جين أوستن. كانت النتيجة مذهلة! إذ لاحظوا تدفقا كبيرا للدم في مناطق كثيرة في المخ، أي إن خلايا كثيرة بدأت في العمل. والأعجب أن التدفق كان قليلا جدا عندما أعطي الطالب نصا غير أدبي. ونتيجة هذه الدراسة تثبت لنا أن الأدب له قدرة عجيبة في زيادة أنشطة المخ لا توجد لدى النصوص الأخرى. ولكن لماذا بقراءة عمل مثل «إيما» ينشط مخنا بشكل أكبر؟
إن الأعمال الأدبية التي تحتوي على البلاغة في اللفظ والجمال في الوصف والصور البديعة المعقدة تجعلنا في احتياج إلى نشاط أكبر في المخ حتى نستوعب هذا العمل. والأعمال التي تمتاز بهذه الميزة هي ما يطلق عليه «الأدب الرفيع».
لكن من المؤسف أن الأعمال العربية التي تمتلك هذه الصفة بدأت تضمحل في ظل انتشار الأعمال الهابطة وذيوع صيت مؤلفيها، فبمجرد تفحص المكتبات المعروفة نجد انتشار الأعمال الهابطة بطبعاتها الكثيرة وفق غياب الإقبال على الأعمال الرفيعة. وقد تفحصت بعض الكتب التي اشتهرت وتعدت طبعاتها الـ 50 لأجد فيها كلاما أشبه ما يكون بحكي الشارع أو إعادة صياغة لأقوال مشاهير مثل جبران أو مارك توين وغيرهما. وهذه الكتب البسيطة في محتواها الضعيفة في لغتها ووصفها لديها إقبال كبير من المراهقين عموما وبعض القراء الذين لم يتبحروا في الأدب الرفيع. وسبب العزوف قد يكون في كون لغة الأدب الرفيع قد لا تناسب القارئ العام. لكن هنا تكمن المشكلة!
إن قدراتنا اللغوية لن تتطور بالهروب من هذا الأدب، وعند الاستمرار في قراءة الكتب الهابطة فإننا سنفقد المقدرة على التحليل والتفكير المعقد وزيادة المخزون البلاغي واللفظي، لذا من يقرأ الأدب الرفيع كثيرا نجد قدرته على التعبير والوصف عظيمة لا يمتلكها غيره.
من المؤسف أن طبعات بعض الأعمال العربية التي فازت بالبوكر أقل بكثير من الأعمال الهابطة التي ترفض دور النشر الكبيرة والعريقة نشرها، ولا بأس من قراءة هذا النوع من الأعمال من أجل التغيير، ولكن لا ينبغي أن تشكل نسبة كبيرة من مكتبتك.
من الصعب أن نصنف رواية أدبا رفيعا دون غيرها، لكن الأدب الرفيع يتميز بوجود ثلاثة عوامل رئيسة:
العامل الفكري: زيادة المعلومات وتنمية حصيلة المعرفة لدى القارئ.
العامل الجمالي أو البلاغي: التناسق والتوافق واستخدام اللفظ السليم والصور البيانية الجميلة والدقيقة.
العامل العاطفي: توفر المواقف المتنوعة ذات الأبعاد النفسية العميقة.
ولا يخفى لدى القارئ أن هذه العوامل توفرت بشكل جلي ومذهل في أعمال بعض الكتاب العرب الراحلين مثل نجيب محفوظ وغسان كنفاني والطيب صالح وعبدالرحمن منيف ويوسف السباعي وإحسان عبدالقدوس، كأمثلة وليس للحصر. وتتوفر هذه العوامل في أعمال بعض الكتاب المعاصرين مثل عبده خال، أحلام مستغانمي، إبراهيم نصر الله، أحمد سعدواي، ربيع جابر، وغيرهم، وبالتأكيد ستظهر في أعمال كتاب آخرين.
رسالتي إلى الآباء والأمهات، إلى المعلمين والمعلمات، إلى القراء جميعهم:
من كل عشر كتب أدب اجعل تسعة منها من الأدب الرفيع، فكلما زادت قراءتك لهذا النوع زادت قدراتك الفكرية. انظر فيما يقرأ ابنك أو ابنتك وحاول تغيير نمط القراءة بإضافة ما يفيدهم. تابع تحليل النقاد وآراء الروائيين العرب لمعرفة المتميز والجديد وساهم في الحفاظ على الأعمال الأدبية الرفيعة من الانقراض!
dralmuaiqli@
إن الأعمال الأدبية التي تحتوي على البلاغة في اللفظ والجمال في الوصف والصور البديعة المعقدة تجعلنا في احتياج إلى نشاط أكبر في المخ حتى نستوعب هذا العمل. والأعمال التي تمتاز بهذه الميزة هي ما يطلق عليه «الأدب الرفيع».
لكن من المؤسف أن الأعمال العربية التي تمتلك هذه الصفة بدأت تضمحل في ظل انتشار الأعمال الهابطة وذيوع صيت مؤلفيها، فبمجرد تفحص المكتبات المعروفة نجد انتشار الأعمال الهابطة بطبعاتها الكثيرة وفق غياب الإقبال على الأعمال الرفيعة. وقد تفحصت بعض الكتب التي اشتهرت وتعدت طبعاتها الـ 50 لأجد فيها كلاما أشبه ما يكون بحكي الشارع أو إعادة صياغة لأقوال مشاهير مثل جبران أو مارك توين وغيرهما. وهذه الكتب البسيطة في محتواها الضعيفة في لغتها ووصفها لديها إقبال كبير من المراهقين عموما وبعض القراء الذين لم يتبحروا في الأدب الرفيع. وسبب العزوف قد يكون في كون لغة الأدب الرفيع قد لا تناسب القارئ العام. لكن هنا تكمن المشكلة!
إن قدراتنا اللغوية لن تتطور بالهروب من هذا الأدب، وعند الاستمرار في قراءة الكتب الهابطة فإننا سنفقد المقدرة على التحليل والتفكير المعقد وزيادة المخزون البلاغي واللفظي، لذا من يقرأ الأدب الرفيع كثيرا نجد قدرته على التعبير والوصف عظيمة لا يمتلكها غيره.
من المؤسف أن طبعات بعض الأعمال العربية التي فازت بالبوكر أقل بكثير من الأعمال الهابطة التي ترفض دور النشر الكبيرة والعريقة نشرها، ولا بأس من قراءة هذا النوع من الأعمال من أجل التغيير، ولكن لا ينبغي أن تشكل نسبة كبيرة من مكتبتك.
من الصعب أن نصنف رواية أدبا رفيعا دون غيرها، لكن الأدب الرفيع يتميز بوجود ثلاثة عوامل رئيسة:
العامل الفكري: زيادة المعلومات وتنمية حصيلة المعرفة لدى القارئ.
العامل الجمالي أو البلاغي: التناسق والتوافق واستخدام اللفظ السليم والصور البيانية الجميلة والدقيقة.
العامل العاطفي: توفر المواقف المتنوعة ذات الأبعاد النفسية العميقة.
ولا يخفى لدى القارئ أن هذه العوامل توفرت بشكل جلي ومذهل في أعمال بعض الكتاب العرب الراحلين مثل نجيب محفوظ وغسان كنفاني والطيب صالح وعبدالرحمن منيف ويوسف السباعي وإحسان عبدالقدوس، كأمثلة وليس للحصر. وتتوفر هذه العوامل في أعمال بعض الكتاب المعاصرين مثل عبده خال، أحلام مستغانمي، إبراهيم نصر الله، أحمد سعدواي، ربيع جابر، وغيرهم، وبالتأكيد ستظهر في أعمال كتاب آخرين.
رسالتي إلى الآباء والأمهات، إلى المعلمين والمعلمات، إلى القراء جميعهم:
من كل عشر كتب أدب اجعل تسعة منها من الأدب الرفيع، فكلما زادت قراءتك لهذا النوع زادت قدراتك الفكرية. انظر فيما يقرأ ابنك أو ابنتك وحاول تغيير نمط القراءة بإضافة ما يفيدهم. تابع تحليل النقاد وآراء الروائيين العرب لمعرفة المتميز والجديد وساهم في الحفاظ على الأعمال الأدبية الرفيعة من الانقراض!
dralmuaiqli@