عبدالله الأعرج

سائح وإلا موزع نصائح؟

الأحد - 19 أغسطس 2018

Sun - 19 Aug 2018

السفر منذ أن أنشد محمد بن إدريس الشافعي «سافر تجد عوضا عمن تفارقهم» إلى أن أنشئت منظمات السياحة الدولية وتخصصات الترويح في الجامعات والكليات، وهو سلوك مليء بالخير والمعرفة واكتساب الجديد والمفيد تعلما وطبا وبحثا ونزهة.

السياحة في أرض الله ليست مجرد جبل ونهر وبلبل، ورغم سحر كل هذا وأهميته إلا أنها أيضا بناء فكر بما تحمله الكلمة من اتساع رأسي وأفقي!

السائح الملهم هو ذلك الإنسان الذي تبدأ رحلة الفكر معه قبل السفر من خلال البحث عن البلد المراد زيارته والتعرف على أهم معالمه وتاريخه حربا وسلما، وتركيبة سكانه وثقافة ،هله مأكلا وفنا وديانة وتجارة واقتصادا.

السائح الملهم أيضا هو ذلك الأنيق الذي يذهب إلى البلد المستضيف فتقع عينه على أجمل ما فيه ويتنقل بين مدنه وقراه محترما لثقافة الاختلاف ومقدرا لتباين الشعوب، فتراه يزور المتاحف ويحضر الفعاليات ويدون الجديد والمفيد ويبتسم للآخر ويسأل عن أهم المعالم وأفضل الطرق للوصول إليها.

وحين يكون السائح بهذا القدر من الجمال والأناقة فسوف يقابل بجمال مماثل، ذلك أن مفاتيح الشعوب وأكوادها واحدة في مشارق الأرض ومغاربها، مختصرة في عبارة بسيطة مفادها «ستجد مني ما وجدته منك».

وحين بدأ موسم السياحة وتشابكت طائرات الشرق تنقل أهل الغرب والعكس صحيح، أطل على العالم عينة من السياح لا أجد لبعضهم وصفا دقيقا، فإن أردت فقل «ثقيل»، وإن شئت فهو «بغيض»، وإن طاب لك فسمه «جاهل»، ولن تكون مخطئا! هذه العينة من السياح في العادة حديثو عهد بالسفر، ولذلك فبعضهم نصب من نفسه «مرشدا أعلى للبلد المستضيف»، فتراه لا يرى حدثا لم يعهده إلا وانتقده وتدخل ربما لتغييره بلسانه ويده، فوضع نفسه وبلده وأهله في موقف لا يحسدون عليه ما بين رد عنيف من المتضرر يصل أحيانا للركل أو الشتم، وربما إظهار الازدراء للتدخل الممجوج وذلك أضعف الإيمان.

البعض الآخر من السياح يتفذلك بطريقة غير مقبوله - كما تطالعنا وسائل التواصل يوما بعد يوم - فتراه ومن معه يضحكون ويستخدمون لغتهم الأم مع أهل البلد المستضيف، مما يخلق فهما فوريا لدى أهل البلد أن هؤلاء الناس يسخرون منهم، ولك أن تتصور باقي القصة المظلمة نتيجة لهذه التصرفات البائسة.

السياحة يا سادة رحلة تعلم - وإن قل - وليست رحلة إملاء ثقافتك المحلية على الآخر. السائح العاقل يدرك تماما أن بقاءه لمدة أسبوع أو أسبوعين في بقعة ما من أرض الله الواسعة ليس كفيلا بتغيير سلوك بلدة يقطنها مئات الألوف وربما ملايين البشر. السائح الناضج يتذكر جيدا أن اسمه في هذه الرحلة «سائح»، وليس «مفوض أممي أو مصلح اجتماعي أو سفير دبلوماسي أو مفتش دولي».

السائح المتزن يعلم أنه فرد في رحلته لكنه أمة بما ينقله من تصرفات وسلوكيات وانفعالات، وأن ما يتفوه به من قول أو ما يبادر به من فعل سيظل علامة بارزة لدى البعض حول تقييم بلد السائح وثقافته وفكره وتعامله مع الآخرين، وعليه فلا غرابة أن تجد أجناسا من البشر مرحبا بهم في بلد ما مقابل النفور من أجناس أخرى ربما كانت ضحية لصفاقة سائح لم يدرك أنه تلك الشعرة التي قصمت ظهر البعير! قصر الكلام «يا غريب كون أديب» مثل شعبي.

dralaaraj@