مرزوق تنباك

السياحة في التاريخ

الثلاثاء - 14 أغسطس 2018

Tue - 14 Aug 2018

القرآن الكريم هو أول من أمر بالسياحة في الأرض والمشي في مناكبها لطلب الرزق واتساع التجارة بالرحلة والسياحة والسير حيث يشاء، قبل أن تعرف برامج السياحة واقتصادها وقبل أن تكتشف الدول الحديثة أهمية السياحة للاقتصاد والمعارف والعبرة والعظة، السياحة قديمة في التاريخ البشري موغلة في القدم، والإنسان منذ خلق على الأرض وهو في رحلة طويلة مع من حوله ومع من يشاركه فجاج الأرض الواسعة، كما حبب إليه الاكتشاف والتعرف على ما يراه وما يلقاه من الطبيعة ومن الناس الذين يجدهم في طريق رحلته حين ينتقل من مكان إلى آخر.

أما في الوقت الراهن فإن السياحة قد أصبحت صناعة تهتم بها كل الدول بلا استثناء، وتعتبر مجالا للتجارة والكسب، وقد نجد دولا كثيرة في العالم الحاضر تعتمد في اقتصادها على المصدر السياحي الذي يدر عليها أموالا طائلة، وقد بدأت تتنافس الدول على جذب السياح إليها وإغرائهم بما تقدمه لهم من أسباب التشويق الذي يطلبه السائح ويرغبه حين يجد وقتا يقضيه في العالم من حوله، ولذلك تنوعت فنون السياحة وأغراضها وتعددت بتعدد رغبات الناس وميولهم، فصار هناك سياحة اللهو البريء وأماكنها وبلادها وما يريده منها طلاب اللهو، وهناك أماكن الطبيعة وما فيها من مناظر جذابة وأنهار جارية وحدائق غناء وبهجة فيما حبا الله بعض الأماكن من مناظر الطبيعية التي تجلب السرور للنفوس المتعبة من التصحر العاطفي والطبيعي.

وهناك عشاق التاريخ والمغرمون به الذي تجسده المدن القديمة وما فيها من معجزات الإنسان وآثاره الماضية، حيث تحدد في عصور التاريخ أماكن نفوذ الإنسان الأول في عمارة الأرض وما بقي من شواهد تلك العمارة ودلالاتها.

أما أهم أنواع السياحة وأكثرها استمرارا على طول الدهر التي تحييها الأمم وتتوارثها الأجيال وتحشد لها الإمكانات فهي السياحة الدينية، إذ في جميع الديانات الوضعية والسماوية هناك أماكن ارتبط بها أتباع الأديان وقدسوها وشدوا الرحال إليها ولم ينقطعوا عنها، ومنها ما نعيشه هذه الأيام، الأشهر الحرم والحج إلى مكة، فقد عرف العرب الحج في جاهليتهم وقدسوا أماكنه وعظموا حرماته وجعلوه عبادة وسياحة وتجارة رابحة، فأقاموا الأيام حول مكة وجعلوها أسواقا ثلاثة كلها في محيط مكة يتنقلون بينها في الأشهر الحرم حتى حين موعد الحج الأكبر فيفيضون إلى مكة ليشهدوا منافع لهم ويكبروا الله على ما هداهم، فلما بعث الله نبيه عظم شعائر الحج كما كانت تعظمها العرب.

وعندما امتدت الأمة خارج جزيرة العرب واعتنق الإسلام أمم كثيرة عظم شأن الحج وعظمت مكاسبه، وكانت آثار الإسلام وآثار النبي في الحجاز هي أغلى أمنية يسعى المسلمون الذين يأتون في كل عام إلى رؤيتها والوقوف عليها للعبرة وليس للعبادة كما يظن بعض من لا علم له في أهمية الآثار، والرغبة الإنسانية في معرفة آثار السالفين ولا سيما إذا كانت الآثار تتعلق في محبوب ومطاع لديهم، وليس هناك أحب من رسول الله ووجوب طاعته على المسلمين الذين يأتون إلى الحج وقد حملوا معهم وفي ذاكرة كل منهم أسماء مواقع وأيام لها صلة في الإسلام وآثار النبي والصحابة الذين خلدهم التاريخ في ذاكرة كل مسلم في الأرض، ويود كل من قدم إلى الحج أن يرى تلك المعالم ويقف عليها كما وقف عليها رسول الله ومن آمن معه.