عبدالله الجنيد

بين التمكين والتعدين السياسي

الاحد - 12 أغسطس 2018

Sun - 12 Aug 2018

كيف يجب أن نتناول الأزمة السياسية القائمة بين المملكة العربية السعودية وكندا، وهل مرجعياتها سياسية أم أخلاقية؟ وقبل تناول ذلك قراءة، علينا طرح الأسئلة المناسبة، وأولها: هل تمارس المملكة العربية السعودية القمع المطلق للحراك المدني الداعي للإصلاح وتمكين المرأة وطنيا؟ جملة ما تقدم يجب أن يمثل محور الارتكاز في التناول القرائي من وجهة نظري الخاصة، حتى نخلص للتفريق بين التمكين والتعدين السياسي.

قضية رائف بدوي ليست المحور هنا، فقد سبق للسيدة إنصاف حيدر حرمه والمواطنة الكندية الآن (نالت الجنسية الكندية مع أطفالها الثلاثة في حزيران من هذا العام) أن حظيت بدعم سياسي وإعلامي في جملة من الحملات المطالبة بإطلاق سراح زوجها حتى قبل أن تطأ قدماها الأراضي الكندية في 2013. ومع ذلك لم تتأثر العلاقات السعودية الكندية سلبا بذلك، بل نمت العلاقات بين البلدين بشكل ملحوظ، فالمملكة احترمت الموقف الكندي دون أي احتجاج رسمي. بل إن ذلك قد أثير من قبل أكثر من مسؤول كندي أثناء زيارتهم للرياض.

إلا أن التحول المفاجئ في الموقف الكندي يحتاج إلى تفسير، فالأستاذة سمر بدوي محل الخلاف تحمل الجنسية الأمريكية وليس الكندية، بالإضافة لجنسيتها السعودية، لذلك كان من المفترض أن يصدر الموقف عن الخارجية الأمريكية لا الكندية، إلا أن كان هناك «لو» سياسية، ونعوذ بالله منها لأنها ضارة جدا. إلا أننا قبل الإبحار في تناول «لو» علينا العودة لحملات سعودية من ضمنها «إسقاط الولاية على المرأة» أو «قيادة المرأة» و«حق المرأة في العمل»، وكلها حملات سعودية كانت على منصة تويتر لسنين طوال، ولم أسمع أن أحدا ممن أطلق تلك الحملات نالته مساءلة من جهة رسمية أو قيدت حريته في التعبير عن تعاطفه مع تلك الدعوات للإصلاح الاجتماعي. وشخصيا قد شاركت في جميع تلك الحملات منذ 2012 مع كثير من كتاب الرأي في الصحافة السعودية.

من هنا يأتي أمر الدخول في المحذور، أي القبول في الدخول طرفا في أمر سياسي تحكمه مرجعيات العلاقات بين الدول، أي أن يقبل ذلك الطرف مدركا لتبعات ذلك أو غير مدرك لها، والقانون لا يحمي من جهل به. لذلك يجب على بعض من يجتهد في أمر الإصلاح أو التمكين الوطني اجتماعيا التفريق بين أمر التعاطف الخارجي عبر مؤسسات مدنية وأخرى سياسية رسمية. لأن أغلب مواقف المؤسسات السياسية الرسمية تشوبها شبهة (لو). بعض هؤلاء يقعون ضحية «الأنا»، وأنا هنا لا أتحدث عن السيدة إنصاف حيدر أو قضية زوجها، فهي إنسانيا زوجة مكلومة من وجهة نظرها نتيجة حكم قضائي، وسأترك ذلك الأمر للمختصين به. لكن لا يلغي ذلك إمكانية توظيف مثل تلك القضية أو أخريات مثلها من قبل أطراف دولية لا تتقاطع مصالحها الاستراتيجية والمملكة العربية السعودية إيجابا في ملفات عدة. لذلك تلجأ تلك الدول عبر مؤسساتها «غير» الرسمية إلى عمليات (التعدين السياسي) بحثا عن قضايا ذات قيمة إعلامية وقابلية للتوظيف السياسي، إما لأسباب خاصة أو تحويلها لأدوات ضغط سياسي على طرف أو أطراف أخرى (دول أو مؤسسات دولية).

التعدين السياسي ليس بأمر جديد في إدارة العلاقات بين الدول، لكن مسؤوليتنا الوطنية تفرض علينا ممارسة الحد الأقصى في التحقق النافي للجهالة بالأمر في أمر التعاطي بحسن نية مع أطراف خارجية فيما يمس مصالحنا الوطنية، لأن أمر المساءلة القانونية أو السياسية حينها أمر تفرضه المصلحة الوطنية.

ولنا أن نستخلص من قضية المواطنة الروسية ماريا بوتنيا التي وجهت إليها وزارة العدل الأمريكية تهمة اختراق مؤسسات أمريكية ذات تأثير على صناعة القرار الأمريكي خير مثال على ما تقدم. وهنا أنا لا أتحدث عن شعار (حرج المرحلة) أو ما هو مقارب لذلك، فنحن اليوم أقرب إلى الغد مما كنا عليه قبل أعوام قليلة، مما يستوجب علينا الدفاع عن تلك المكتسبات بدل البحث عن أمجاد شخصية. سؤالي الأخير هو لوزيرة الخارجية الكندية السيدة كرستينا فريلاند: دعوة أصدقاء كندا للتوسط في الأزمة القائمة بين بلدك والمملكة العربية السعودية لا تلغي أمر سؤالك عن سبب هذا الموقف والجنسية الأخرى التي تحملها السيدة سمر بدوي هي الأمريكية؟ ربما كان عليك وعلى حكومتك عدم التسرع في البحث عن دور يتجاوز حجم كندا في المعادلة الكبرى، وأنك كنت ضحية تعدين سياسي.

شخصيا أعتقد أن تلك الأطراف تنصحكم بتقبل النتائج الآن مع الوعد بحلها في الوقت المناسب. كذلك أود لفت نظر معاليك إلى الرسالة التي بعث بها الدكتور فرانسوا تشاقنون رئيس الجراحين في الكلية (المعهد) الملكي للأطباء والجراحين الكنديين، بالإضافة لزميله الدكتور أندرو بدموس الرئيس التنفيذي لنفس المؤسسة، وكذلك السيد بول إيميل كولتير الرئيس التنفيذي لمؤسسة الرعاية الصحية الكندية لعناية رئيس الوزراء ترودو بتاريخ 10 أغسطس الجاري (اسم معاليك كان من ضمن الأسماء المدرجة على قائمة المستلمين لها)، والتي تناولت النتائج الكارثية التي ستنتج عن خروج 1000 طبيب سعودي بين متدرب أو مقيم ومدرب من برنامج الرعاية الصحية للمواطنين الكنديين، فسحب تلك الرسالة من هؤلاء القادة في القطاع الصحي ستضع برنامج الرعاية والخدمات الصحية الكندية في أزمة حقيقية كان الأطباء السعوديون يوفرونها لمواطني كندا.

aj_jobs@