حمزة مصباح بوزنيف

المملكة بين الأصالة والحداثة

الأربعاء - 25 يوليو 2018

Wed - 25 Jul 2018

مع اختلاف العهود التي مرت بها المملكة منذ تأسيسها حتى اليوم، كان لكل عهد جديد يحل على المملكة خصوصيته ومتطلباته وإنجازاته، فكما أن عهد المؤسس رحمه الله تميز بتوحيد المملكة وشهد النواة الأولى لتشكيل الدولة، فقد تميز عهد الملك سعود رحمه الله ببداية العمل في مشاريع البنية التحتية وتشكيل الوزارات، تبعه عهد الملك فيصل رحمه الله الذي استمر في تطوير البنية التحتية وصناعة السياسة الخارجية للمملكة، ثم حل عهد الملك خالد رحمه الله ليشهد أول طفرة نقلت المملكة نقلة نوعية، واستمرت هذه الطفرة حتى عهد الملك فهد رحمه الله الذي شهد عهده العديد من التحديات، لعل أهمها حرب تحرير الكويت، ليتبعه عهد الملك عبدالله رحمه الله الذي تميز بالاستثمار في الإنسان من خلال برنامج الابتعاث واستكمال المشاريع الخدمية.

وقد تميز العهد الحالي بميزة فريدة، بنيت فيها السياسة على مبدأ المزاوجة بين قيم الأصالة ومتطلبات الحداثة، فكما أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان يمثل امتدادا تاريخيا لجيل الملوك أبناء المؤسس، وهذا ما يمكن اعتباره امتدادا لقيم الأصالة، فإن ولي العهد يمثل بلا شك الشق الذي يعنى بالحداثة مع حفاظه طبعا على القيم الأصيلة التي بنيت عليها المملكة.

ومع تبني القيادة لهذه المزاوجة بين الأصالة والحداثة، والتي أعتقد أنها لم تكن ظاهرة كثيرا في العهود السابقة كما هي الآن، تسعى المملكة لبناء جيل جديد معتز بماضية وقيمه العريقة، ومنفتح على العالم عبر تطبيق مفهوم الحداثة بمعناها الصحيح، وعندما نتحدث عن الحداثة تظهر لنا الجهود الجبارة التي يقودها خادم الحرمين الشريفين من خلال إطلاق العديد من المشاريع العملاقة وسن قوانين صارمة لمحاربة الفساد والبيروقراطية، والتي تعد عائقا رئيسا أمام تطبيق الحداثة، بالإضافة إلى مواجهة بعض الأفكار والقناعات التي عفى عليها الزمن وألصقت باطلا بالدين وتقف حاجزا أما مزيد من التطور والازدهار، وهذا ما ذكره ولي العهد الذي يشرف على تنفيذ توجيهات خادم الحرمين الشريفين بأن المملكة لن تضيع الوقت في التعامل مع هكذا أفكار وقناعات، وماضية في تطبيق متطلبات الحداثة، مستلهما تجربة الملك فيصل التاريخية حين اتخذ قرارا صارما بفرض تعليم المرأة، والذي كان أمرا مستغربا لدى البعض، بل ومحرما عند البعض الآخر، عطفا على واقع المجتمع حينها، واليوم نقطف ثمار قرار الملك فيصل التاريخي، وأجزم أن الجميع اليوم يقف وقفة إجلال وإكبار لذلك القرار.

وما نلاحظه اليوم أن الغالبية العظمى من الشارع السعودي تثمن لخادم الحرمين الشريفين القرارات الجريئة والمتسارعة التي اتخذها في سبيل الرقي بالمملكة وزرع متطلبات الحداثة فيها مع الحفاظ على القيم الأصيلة التي بنيت عليها المملكة، وهذا يدل بلا مواربة على أن الشارع السعودي على وعي كبير باحتياجات المرحلة، وأن الإنجازات الكبيرة التي تحققت خلال فترة وجيزة سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي لم تكن لتتم لولا تبني القيادة لمفهوم المزاوجة بين قيم الأصالة ومتطلبات الحداثة، وحتما ستقف الأجيال الحالية والقادمة إجلالا وإكبارا لما يقوم به خادم الحرمين الشريفين من إصلاحات تاريخية كما وقف الجيل السابق إجلالا وإكبارا لقرار الملك فيصل التاريخي.

ختاما، همسة صغيرة في أذن أولئك الذين ما زالوا متمسكين بقناعاتهم القديمة ومفاهيمهم التي تبين مع الوقت أنها في غير محلها وهم قلة قليلة لا تكاد تذكر، بأن يلحقوا بقطار التطور فما زال الوقت مبكرا ولم يفتهم الكثير، فإن أبيتم ذلك فالقطار لن ينتظركم، والمملكة ماضية في تحقيق كل ما تريد بطموح لا حدود له.