حسن علي العمري

النظام العام

الثلاثاء - 10 يوليو 2018

Tue - 10 Jul 2018

مفهوم يتكرر تداوله باستمرار كونه من الأفكار الأساسية في عالم القانون، وذا ارتباط وثيق بدور الدولة ومهامها المنوطة بها، وبما يحقق مصالحها العليا، رغم الاتفاق على صعوبة وتفاوت تعريفه حتى اليوم من خلال النظريات التي تجاذبته بغية الوصول لمفهوم متفق عليه، فمنها ما ترى أن دور الدولة لا يتجاوز حماية حدودها من الاعتداءات الخارجية والمحافظة على الأمن العام داخليا، فيما تذهب أخرى إلى أن الدولة عليها واجب التدخل عبر حكومتها في كل عمل مهما كان، بغية رفع مستوى العيش للأفراد وصولا إلى حياة الرفاه.

بينما يرى آخرون أن مفهوم النظام العام لا يمكن حصره وتحديده، ولا يجب السعي لذلك، ليبقى متطورا ومستوعبا لحركة تنامي المجتمع وتحولاته، فيما ظل فقهاء وشراح القانون يرونه مفهوما نسبيا وإطارا شاهقا وغاية عالية تدور في فلكها كل المصالح والمعاني التي تحقق للمجتمع منافعه المتنوعة التي يمكنها أن تستوعب كل تطورات المستقبل وتمنع كل فعل يأتي لمنع ذلك أو تعطيله.

وإن كنت أميل للقول إنه كل القواعد والإجراءات التي تضعها الدولة وتهدف لحماية كيان المجتمع وحقوقه وقيمه العليا داخليا وخارجيا وتحقق له حياة الرفاه والاستقرار لتكون مجتمعة الإطار المقبول لما يمكن أن نطلق عليه «النظام العام الداخلي لأي دولة»، لتبقى بعد ذلك كل قاعدة دولية حرة تتفق مع نظيراتها الأخرى في القانون الدولي أساسا متصورا ومقبولا لقيام مفهوم النظام العام الدولي.

ولا يرتبط هذا المفهوم كليا بمسائل الأديان وإن كان لا يمكن في ذات الاتجاه أن يبتعد عنها، لأنه قد يحمي حقا يتصل بها كمنع التعرض لها أو للمذاهب المختلفة بالإساءة، كما أنه يحمي مفهوم عمومية القوانين في تقرير الحقوق العامة لأفراد المجتمع ويمنع تعارضها مع حقوق الآخرين.

وللنظام العام أنواع متعددة، منها سياسية أو اقتصادية أو نصية أو وقائية، إلا أن ما يهمنا هنا هي أركان النظام العام التي يقوم عليها لحماية وضمان حسن سير الحياة لأفراد المجتمع ومؤسساته وحماية إرث الدولة وتراثها وتاريخها وثوابتها لتكوين الأمن الفكري لها، وبناء على نسبية النظام العام وتباين الاختلاف فيه فيما إذا كان داخليا أو دوليا، إلا أن غايتهما متفقة ترمي إلى حماية كل مصلحة جوهرية للمجتمع سواء كانت داخلية أو دولية، كل مصلحة بحسبها، وهو ما أعطى للقوانين المحلية الاختصاص الأصيل في أولوية التطبيق على ما سواها حفاظا على سيادة الدولة، ليصح عليها مفهوم النظام العام وفكرته الجوهرية، ولكي يقوم النظام العام الداخلي ماثلا تأتي في مقدمة أركانه وتنبثق منه فكرة الأمن العام التي تعبر عن كل مظهر للاستقرار وسلم المجتمع في أي بلد، وضمان التزام أفراد المجتمع بالقوانين.

ويصاحبه كذلك الركن الثاني وهو الصحة العامة، ثم ركن السكينة العامة، فيما تعد الآداب العامة ركنا رابعا للنظام العام، وهي ما يتعلق بقواعد وتقاليد تحكم سلوك الفرد السوي أخلاقيا في مجتمعه وتؤدي مخالفتها للاستنكار من الغير.

وأي مساس بهذه الأركان أو أحدها يعد مساسا بالنظام العام للدولة وسيادتها، وسنعرض لكل ركن بقراءة مستقلة.

  • النظام العام شديد المرونة لتعلقه بسيادة الدولة وبكل مصلحة عامة للمجتمع، وهو ما يتفق مع قاعدة أن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة.

  • من أهم أهداف النظام العام حماية مؤسسات الدولة وأنظمتها وكافة مرافقها من أي اعتداءات أو تجاوزات تؤثر على حسن أدائها لأعمالها.

  • الصحة العامة هي حماية أفراد المجتمع من أي تهديد يمس صحتهم العقلية والجسدية والنفسية من خلال تنظيم الأعمال الصحية وتنفيذها والإشراف عليها.

  • من أركان النظام العام السكينة العامة المتمثلة بالحفاظ على حالة الهدوء ومنع كل مظاهر الإزعاج والضجيج في الأحياء السكنية والطرق والأماكن العامة بغض النظر عن مصدرها.




[email protected]