شبابنا المثقف و"ظاهرة الرفض"

اعتدنا كثيرًا في مجتمعنا على أن نستمع لتمجيد كل ما يخص تاريخنا من أفكار، وأشخاص، ووقائع، مما يخدم المذهب الديني للمُمَجِّدين، فكل تاريخنا أمجاد وفتوحات، ورقي في العلم والطب، وعدل ومساواة في الحكم، وسمو في التعامل، وكل أشخاص تاريخنا من السياسيين أبطال أفذاذ ذوو أهداف سامية، وتضحيات خارقة، ومن العلماء مخلصون ورعون تقاة، وكل من انتقد حقبة من تاريخنا، أو خليفة من الخلفاء، أو عالما من العلماء فهو ذو أهداف مشبوهة، أو هو ضحية لقراءات مضللة، وكل حركة فكرية حدثت في التاريخ مما يخالف مذهب الممَجِّدين هي دسيسة أو مؤامرة من أعداء الأمة، أو تزوير في كتابة التاريخ، هذا التمجيد تستمع إليه في الجلسات الخاصة، وفي الندوات العلمية،

اعتدنا كثيرًا في مجتمعنا على أن نستمع لتمجيد كل ما يخص تاريخنا من أفكار، وأشخاص، ووقائع، مما يخدم المذهب الديني للمُمَجِّدين، فكل تاريخنا أمجاد وفتوحات، ورقي في العلم والطب، وعدل ومساواة في الحكم، وسمو في التعامل، وكل أشخاص تاريخنا من السياسيين أبطال أفذاذ ذوو أهداف سامية، وتضحيات خارقة، ومن العلماء مخلصون ورعون تقاة، وكل من انتقد حقبة من تاريخنا، أو خليفة من الخلفاء، أو عالما من العلماء فهو ذو أهداف مشبوهة، أو هو ضحية لقراءات مضللة، وكل حركة فكرية حدثت في التاريخ مما يخالف مذهب الممَجِّدين هي دسيسة أو مؤامرة من أعداء الأمة، أو تزوير في كتابة التاريخ، هذا التمجيد تستمع إليه في الجلسات الخاصة، وفي الندوات العلمية،

الأربعاء - 12 فبراير 2014

Wed - 12 Feb 2014



اعتدنا كثيرًا في مجتمعنا على أن نستمع لتمجيد كل ما يخص تاريخنا من أفكار، وأشخاص، ووقائع، مما يخدم المذهب الديني للمُمَجِّدين، فكل تاريخنا أمجاد وفتوحات، ورقي في العلم والطب، وعدل ومساواة في الحكم، وسمو في التعامل، وكل أشخاص تاريخنا من السياسيين أبطال أفذاذ ذوو أهداف سامية، وتضحيات خارقة، ومن العلماء مخلصون ورعون تقاة، وكل من انتقد حقبة من تاريخنا، أو خليفة من الخلفاء، أو عالما من العلماء فهو ذو أهداف مشبوهة، أو هو ضحية لقراءات مضللة، وكل حركة فكرية حدثت في التاريخ مما يخالف مذهب الممَجِّدين هي دسيسة أو مؤامرة من أعداء الأمة، أو تزوير في كتابة التاريخ، هذا التمجيد تستمع إليه في الجلسات الخاصة، وفي الندوات العلمية، وفي المحاضرات العامة، وفي خطب الجمعة، وهو مظهر من مظاهر العقل الجمعي لمجتمعنا، وإذا كان من الطبيعي أن يكون هذا هو رأي الجمهور، فإن تبنِّــيَـه من جمهور الطبقة المثقفة من العلماء وطلبة العلم خاصة، ومن طيف واسع من المثقفين يعبر عن قصور معرفي، وخلل منهجي في التعامل مع التاريخ، وغياب الروح النقدية في التعامل مع أحداث وشخوص التاريخ، هذا الواقع المفرط في تقديس التاريخ بشخوصه وأحداثه أنتج ظاهرة جديدة في واقعنا الثقافي وهي ما يمكن أن أسميها بـ(ظاهرة الرفض)؛ فثمة جمهرة من طبقة الشباب المثقف تتبنى الرفض المطلق لتاريخنا بما فيه من أفكار، وأشخاص، ووقائع؛ فالفتوحات العربية في آسيا وإفريقيا وأوربا التي قامت بها الدولة الأموية هي -في نظرها- حركات همجية هدفها الغزو والتدمير، والنهب والسلب للحضارات المزدهرة آنذاك، ونظام الخلافة في التاريخ العربي والإسلامي نظام حكم تسلطي دكتاتوري قمعي قائم على احتكار الثروة، وسحق كل معارض، والفقهاء طبقة من المتسلقين ممن يفتون حسب رغبات الحاكم، وبواسطتهم يتحكم الخليفة المتسلط بالشعب؛ إذ يبررون له تسلطه ودكتاتوريته باسم الدين، وعلم الحديث هو عملية بدائية في نقل الأخبار تعبر عن غياب الثقافة المكتوبة، وحركة تعديل الرجال وجرحهم من المحدثين هي عملية مذهبية ضيقة لإضفاء صفات النزاهة والضبط على من يتفق معهم مذهبيا، وعلم النحو هو محاكاة للنحو السرياني، والطب إنما نبغت فيه طبقة المسيحيين السريان الذين كانوا يخدمون الخليفة وحاشيتهم، وحركة التأليف في الفقه، وعلوم اللغة من معاجم وبلاغة وأدب هي كتابات مكرَّرة ينقل اللاحق عن السابق في تكرار ممجوج، وعلم التاريخ هو تسجيل فج لأخبار الطبقات الحاكمة، وعلم الكلام والعقيدة مجرد تسجيل لبيانات مذهبية لتمجيد مذهب المؤلف، وإدانة المختلفين معه دينيا والمطالبة بمعاقبتهم، والفلسفة التي نبغ بها بعض علماء المسلمين كالفارابي والكندي وابن سيناء وابن رشد وغيرهم هي مجرد نقل مشوَّه للفلسفة اليونانية، والحركات الفكرية العقلية القليلة التي قامت في التاريخ كحركة ابن رشد والمعتزلة باءت بالفشل؛ إذ تم ملاحقتها على يد السلطة بتشجيع من الفقهاء، هذا بعض مما أسمعه في مجالس بعض الشباب المثقفين، وبعض مما أقرؤه في منتديات الانترنت، وأجزم أنه يشكل (ظاهرة) في الوسط الثقافي، وليس الإشكال في وجود نقد يوجه لتاريخنا وثقافتنا فهذا هو الأصل أن يكون للقارئ المثقف رؤية نقدية تجاه ما يقرأ، لكن الامتعاض ينبع من أمرين؛ الأمر الأول: أن هذا (الرفض) ليس ناتجًا عن بحث معرفي عميق، واطلاع واسع أنتج دراسات متعمقة في قراءة التاريخ؛ إذ لو كان الأمر كذلك لما وسعنا إلا احترام النتيجة التي توصل إليها الباحث مهما كانت، وإن لم نتفق معه، والأمر الثاني: أن هذا الرفض شاملٌ لكل التاريخ بما فيه من شخصيات، وأفكار، وأحداث، وعلوم، وهي رؤية غير عقلانية تنم عن وعي زائف ناتج عن ردة فعل عاطفية، وأن الأمر لا يعدو أن يكون تعبيرا عن (موقف احتجاجي) من واقع ثقافي يشكل سلطة ضاغطة على الشاب المثقف، وهذا ما يجعله يتصرف تصرفًا طفولـيًّا تجاه كل ما يتصل بتلك السلطة الضاغطة من أفكار، وتاريخ، وشخصيات؛ مثلُهُ مثلُ الطفل الصغير حينما يغضب من والده (وهو السلطة بالنسبة للطفل) فيصف أباه بأنه سيئ، وثوبه وسخ، وشماعه وسخ، واسمه غير جميل، وسيارته غير جميله، وأن عمه فلان أحسن منه، وخاله فلان أحسن منه