أسعد سراج أبورزيزة

كيف عرف الحوت أنه يوم البيئة العالمي؟

السبت - 30 يونيو 2018

Sat - 30 Jun 2018

في بداية يونيو الماضي، رصدت البحرية التايلندية حوتا يصارع الموت، وتجمع الأطباء البيطريون لإنقاذه، حيث لفظ بعض الأكياس البلاستيكية التي امتلأت بها معدته، لكن لم يسعفهم الوقت لإخراج كل ما ابتلعه، فلفظ باقي أنفاسه في الثامن من الشهر. وتبين لاحقا أنه نفق متأثرا بالمواد البلاستيكية التي ابتلعها يحسبها طعاما، ولم يتمكن نظامه الهضمي من التعامل معها، فملأت المعدة والأمعاء ولم تترك مكانا لطعامه الحقيقي، فقضى جوعا. هكذا ذكر التقرير المنشور. أما لماذا اختار يوم البيئة العالمي ليموت احتجاجا على ممارسات البشر، فلا أحد يعرف!

كيف عرف الحوت، ليأتي محتجا، أن شعار يوم البيئة العالمي في الخامس من يونيو 2018 هو «هزيمة التلوث بالبلاستيك».

ويقدر رئيس الإدارة البيئية في الأمم المتحدة مجمل ما نلقي به في المحيطات من البلاستيك بـ 80 مليون طن سنويا. هذه المواد لا تتحلل وتبقى في البيئة لسنوات وعقود، وبعضها لقرون، بل ويستمر أثرها حتى بعد التحلل. فالمركبات التي تنتج عن تحللها قد تكون أكثر سمية من البلاستيك نفسه، كما لا نعرف ما ينتج عن التحلل وكيف ينتج، لأن تجربتنا مع البلاستيك لا تتجاوز عقودا. نعرف أنه يتفتت وتنمو عليه الطحالب أو تتجمع العوالق وتبتلعها صغار الأسماك التي تصبح وجبة للكبار وتلج السلسلة الغذائية للإنسان.

وبمواصلة إلقاء البلاستيك بالمعدل الحالي ستبلغ كميته الموجودة في المحيطات ضعف حجم الثروة السمكية عندما ينتصف القرن الحالي. ولن يكون السبب فقط ارتفاع كمية النفايات البلاستيكية، إنما كذلك لتدني أعداد الأسماك، وربما لتراجع خصوبتها ومعدل توالدها بسبب التلوث.

وفي إحصائية لمعهد استراتيجيات الأرض، قدر عدد ما يستهلكه الناس من الأكياس البلاستيكية بترليون كيس سنويا. ومادة البولي إيثلين التي تصنع الأكياس منها لا تتحلل بيولوجيا، وتبقى لقرون، تتضاعف خلالها الكمية المودعة في مرادم النفايات وتلوث المياه الجوفية، أو يلقى بها في البحار والمحيطات فتقتل الحياة البحرية.

نحن لا نقدر حجم الأضرار التي تعود علينا من التلوث بالبلاستيك، والأثر الذي تحدثه على أحد مصادر غذائنا الرئيسية! لو كنا نعرف لتوقفنا عن استخدام البلاستيك. وإن كنا لا نعرف فهذا يوم الأرض جاء يعرفنا، يعرفنا أنه لم يعد خيارا الابتعاد عن استخدام البلاستيك، خاصة ما يصنع للاستخدام مرة واحدة.

ومن السهل التخلي عنه، فغالبا ما يكون التكاسل هو السبب الرئيس في اللجوء إليه. الأسهل على ربة البيت أن تقدم الطعام في أطباق بلاستيكية، لا تتطلب غسلا ولا عناية. لكن يمكنها استخدام الأطباق المصنوعة من الفخار أو الزجاج أو المعدن وغسلها وإعادة استخدامها مئات المرات. ويمكن لمن يتبضع أن يحضر معه كيسا من القماش أو غيره مما يمكن إعادة استخدامه مرات عديدة.

ويمكن أن تساهم التشريعات في التخفيف، فكثير من الدول تحظر استخدام الأكياس البلاستيكية، وفي دول الاتحاد الأوروبي وكندا وضعت لاستخدام هذه الأكياس رسوم مرتفعة تثني عن استخدامها، وتذكر بأضرارها، وتمنع من الإفراط في استهلاكها. فهل حان الوقت كي نلحق بهؤلاء؟

والإعلام من أهم دعائم حماية البيئة، لكن من يطالع الصحف العالمية ويتابع وسائل الإعلام الأخرى في هذه الأيام يلمس البون الشاسع بين ما تقدمه وبين ما نجده في إعلامنا. مخجل أن يتزامن خروج استراتيجية البيئة مع يوم البيئة العالمي، ولا نجد لهذا الحدث ذكرا إلا اليسير، حتى مؤسساتنا المعنية لم تقدم ما يرتقي بوعي المواطن بموضوعات التلوث.

وهناك التشريعات التي تساهم في تقنين كمية ونوعية مواد التغليف، خاصة في مطاعم الوجبات السريعة، ومتاجر المواد الغذائية. ومن السياسات الناجحة استرجاع البلاستيك من النفايات وإعادته للتصنيع. ومبادرات صناعة الأكياس من البلاستيك القابل للتحلل بيولوجيا.