الهجرة إلى الله وكتابه الكريم
في مقالة سابقة، تشرفت بالكتابة عن المواقع والمواضع التي تفوق العشرين، والتي وردت في القرآن الكريم، حاضّة وحاثّة على مكارم الأخلاق، التي قال نبي الأمة عليه صلوات ربي: «إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، ولا أظن الأمة بأسرها في حاجةٍ اليوم لمثل حاجتها للأخلاق، التي سادت بها، والتي كانت سلاحها الأمضى في نشر خاتمة الرسالات. ولقد كانت أخلاق التاجر المسلم في غمدها دون تصنّع أو مداهنة، هى السبب المباشر بعد توفيق الله ومنّه، في انتشار الإسلام بهذه الكثافة وبهذا الثبوت في شرق آسيا كلها، ولقد ذهب التجارُ إلى هناك متعاملين وليسوا دعاة أو مبشرين، ليهزموا بأدائهم الأخلاقي قوافل المبشرين بغير هذا الدين القويم.. بصدق كلمتهم وصادق معاملتهم.
في مقالة سابقة، تشرفت بالكتابة عن المواقع والمواضع التي تفوق العشرين، والتي وردت في القرآن الكريم، حاضّة وحاثّة على مكارم الأخلاق، التي قال نبي الأمة عليه صلوات ربي: «إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، ولا أظن الأمة بأسرها في حاجةٍ اليوم لمثل حاجتها للأخلاق، التي سادت بها، والتي كانت سلاحها الأمضى في نشر خاتمة الرسالات. ولقد كانت أخلاق التاجر المسلم في غمدها دون تصنّع أو مداهنة، هى السبب المباشر بعد توفيق الله ومنّه، في انتشار الإسلام بهذه الكثافة وبهذا الثبوت في شرق آسيا كلها، ولقد ذهب التجارُ إلى هناك متعاملين وليسوا دعاة أو مبشرين، ليهزموا بأدائهم الأخلاقي قوافل المبشرين بغير هذا الدين القويم.. بصدق كلمتهم وصادق معاملتهم.
الأحد - 18 أكتوبر 2015
Sun - 18 Oct 2015
في مقالة سابقة، تشرفت بالكتابة عن المواقع والمواضع التي تفوق العشرين، والتي وردت في القرآن الكريم، حاضّة وحاثّة على مكارم الأخلاق، التي قال نبي الأمة عليه صلوات ربي: «إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، ولا أظن الأمة بأسرها في حاجةٍ اليوم لمثل حاجتها للأخلاق، التي سادت بها، والتي كانت سلاحها الأمضى في نشر خاتمة الرسالات. ولقد كانت أخلاق التاجر المسلم في غمدها دون تصنّع أو مداهنة، هى السبب المباشر بعد توفيق الله ومنّه، في انتشار الإسلام بهذه الكثافة وبهذا الثبوت في شرق آسيا كلها، ولقد ذهب التجارُ إلى هناك متعاملين وليسوا دعاة أو مبشرين، ليهزموا بأدائهم الأخلاقي قوافل المبشرين بغير هذا الدين القويم.. بصدق كلمتهم وصادق معاملتهم.
وفي المقالة السابقة بدأتُ بالحديث عن المواضع التي وردت في سورة الإسراء.
واليوم أعرض للسورة التي تليها في عدد هذه المواقع وهى سورة النساء. السورة المدنية وعدد آياتها 176، وقد تضمنت عددا من الآيات الكريمات في ستة مواقع، بدءا من الآية الرابعة (وآتوا النساء صدقاتهن نِحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا)، وفيها الأمر الواضح البين بإعطاء النساء مهورهن عن طيب نفس، وتوضيح عدم البأس في أن تهب المرأة شيئا من الصداق لزوجها عن طيب نفس، وهى آيةٌ نزلت ردا على من كره ذلك. والآية توضح السعادة والهناء الذي يسود الحياة الزوجية كلما طابت النفوس وحسُنت النوايا. ويولد تطبيقها روحا من الألفة التي تبعد الشحناء والبغضاء بين الأزواج، لإدراك الخالق جلّ وعلا أن هذه الروح هى القادرة بعونه على إيجاد أسرة قادرة على البقاء والنماء من أجل مجتمع متماسك كريم.
وفي الآيتين التاسعة عشرة والعشرين، بيان للسلوك الواجب اتباعه إذا ما وقع أبغض الحلال طلاقا، أو جاء الأجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْها وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرا كَثِيرا {19}
وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانا وَإِثْما مُّبِينا {20}
وفي الآية التاسعة عشرة: ورد النهي عن ورث النساء أي ذاتهن، وكانوا في الجاهلية يرثون نساء أقربائهم، فإن شاؤوا تزوجوها بلا صداق أو زوجوها وأخذوا مهرها، أو منعوها من الزواج بغيرهم حتى تفتدي نفسها بما ورثته أو تموت فيرثونها، فجاء القرآن ليمنع ذلك. وفي هذا إظهار لبلاغة المصطفى عليه الصلاة والسلام، والذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحيٌ يوحى، حين قال: «لأتمم مكارم الأخلاق» ليصنع التوازن في الحفاظ على ما لدى العرب من أخلاق، وما يجب أن يتممها، وهذه والله أعلم واحدة منها.
ولينظر المتشدقون والمدعون لحقوق الحفاظ على حقوق المرأة، كيف أن الإسلام سبقهم بعشرات القرون حفاظا وضمانا لهذه الحقوق. حتى وإن اقتضى الأمر رفض وندب ما عهدته العرب من ممارسات وأخلاقيات.
لذا فكم نحن مطالبون بالعودة إلى كتاب الله دائما وأبدا، ليس لنقرأه فقط، وليس لنطرب بحلاوته ونسعد بطلاوته، ولكن لنتدبره ولا نتركه مهجورا.
وفي الآية العشرين، يثبت الشارع عزّ وجلّ حق المرأة في صداقها إن طُلِّقت، وكان زوجها قد وهبها قنطارا من الذهب، وهو كنايةٌ عن المهر الكبير والمال الكثير، وجاء الأمر (فلا تأخذوا منه شيئا اتأخذونه بهتانا وإثما مبينا) والاستفهام هنا ورد للتوبيخ وللإنكار.
ثم ورد في الآية التالية «الحادية والعشرين»: (وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعضٍ وأخذن منكم ميثاقا غليظا)، والميثاق هو ما أمر الله به هنا من إمساكهن بمعروف أو تسريحهن بإحسان، وليت المرأة المسلمة العزيزة تتمعن القرآن وتتدبر معانيه، ففيه ما يغنيها عن المحاماة والمحامين، وعن الجمعيات الشكلية والمحاكم الصورية التي يدعون أنها للأسرة، وهل هناك أعظم من خالق الكون، وهو الذي يدافع عن الذين آمنوا.
وكما قرن الله الشرك بالإضرار بالناس.. فقد جاءت الآية 114 من سورة النساء لتؤكد نوال فضل الله العظيم لكل ساعٍ من أجل خير الناس وصلاحهم، دون ابتغاءٍ لأمر مادي من أمور الدنيا {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرا عَظِيما {114}. وطمعا في هذا الأجر العظيم نذر نفر من الصالحين أنفسهم ووقتهم طلبا له وسعيا بين الناس بالإصلاح والبر.. وكنت شاهدا على بعض مما آتاهم الله من فضله في الدنيا، وحتى بعد رحيلهم إلى ربهم الكريم.
والله الذي لا إله إلا هو، لو حرصنا في كل مجتمع، بدءا من الأسرة والحي والمدينة، على تشجيع مثل هذا السعي بحثا عن مرضات الله وأجره العظيم، وشغل بعضنا نفسه بمتطلبات هذا العمل الإيماني الكريم، لحلت كثير من النزاعات والاختلافات قبل أن تسري كالنار في الهشيم وتجعل من الدنيا حريقا وجحيما، ولتم القضاء على الكثير من العادات الرذيلة والقبيحة التي تجد في فراغنا مرتعا وفي تراخينا مسرحا، لبثّ روح العداوة والبغضاء، غيبة ونميمة ووشاية وقول زور.. أوليس في القرآن ما هو شفاء للصدور؟! أليس هو النور المنزَّل على النور؟!
(يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا)، ومن يهجر النور فليس له إلا الظلام سبيلا.
وأعود بفضل الله إلى الآية الثامنة والخمسين من سورة النساء: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها..) وهى آيةٌ نزلت لما أخذ علي بن أبي طالب رضى الله عنه مفتاح الكعبة من عثمان بن طلحة الحجبي سادنها قسرا لما قدم النبي عليه الصلاة والسلام مكة المكرمة ومنعه السادن وقال: لو علمت أنه رسول الله لم أمنعه. فأمر النبي عليه الصلاة والسلام بردّه إليه وقال: «هاك خالدة تالدة»، فعجب السادن من ذلك، فقرأ له سيدنا علي - كرّم الله وجهه - الآية، فأسلم عثمان بن طلحة وأعطى المفتاح بعد موته لأخيه شيبة، «ومن هنا جاءت تسمية بني شيبة» وبقى المفتاح في ولده إلى يومنا هذا والحمد لله. والآية الكريمة هذه وإن وردت على سبب خاص فعمومها معتبر بقرينة الجمع (فأدوا الأمانات إلى أهلها)، وفيها الدليل القاطع على الحكم بالعدل بين الناس – كل الناس – ولم يقل بين المؤمنين أو المسلمين، فالسادن لم يكن عند نزول الآية مسلما بعد. وفي هذا تأكيد على أن الإسلام دين البشر أجمعين.
فلا يجوز لمسلم أن يختص نفسه بالعدل، مهملا حق غير المسلمين في تحقيق العدل لهم، وانظر قارئي الكريم كيف أسلم سادن الكعبة حين رأى هذا العدل المطلق من الحبيب صلّى الله عليه، وتجذر الإسلام في ذريته إلى يوم القيامة إن شاء الله.
أسأل الله أن يجعل من عامنا الجديد هذا بداية هجرةٍ حقيقة وليس هجرا.. هجرةٌ إلى الله وإلى كتابه، فالأصل في الهجرة الانتقالُ إلى الأفضل، والذي يفضي بنا إلى سبيل الخير والمحبة والرشاد.
حقق الله الآمال والأماني لما فيه خير البلاد والعباد. وكل عام وأنتم بخير وسعد وسداد.