جهل الخوف من ظاهرتي الكسوف والخسوف!

قبل أيام تابع العالم أجمع (قمر الدم) وخسوفه الكلي، وتناقلت وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي الخبر العلمي الذي حدد الزمان بالثانية، والأماكن التي سترى هذه الظاهرة على الأرض، حتى وصل الحديث العلمي وحسابات الفلكيين أنها لن تتكرر قبل 2033م، ثم كمجتمع مسلم كثرت الرسائل والمواعظ عن أهمية صلاة الخسوف، لكن الجديد أن الأرجاء ضجت بتناقل فتوى تضع حلولا لخشية التعارض بين صلاتي الفجر (الفريضة) وصلاة الخسوف، وتوقفت أصوات علمائنا الأجلاء عند ذلك الحد، ولم تجرؤ على تجاوزه إلى توضيح سبب الخوف من ظاهرتي الخسوف والكسوف سواء الكلية أم الجزئية، في زمن بات من الضروري أن نتجاوز إلى عمق الأشياء وفهم كنهها وجوهرها

قبل أيام تابع العالم أجمع (قمر الدم) وخسوفه الكلي، وتناقلت وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي الخبر العلمي الذي حدد الزمان بالثانية، والأماكن التي سترى هذه الظاهرة على الأرض، حتى وصل الحديث العلمي وحسابات الفلكيين أنها لن تتكرر قبل 2033م، ثم كمجتمع مسلم كثرت الرسائل والمواعظ عن أهمية صلاة الخسوف، لكن الجديد أن الأرجاء ضجت بتناقل فتوى تضع حلولا لخشية التعارض بين صلاتي الفجر (الفريضة) وصلاة الخسوف، وتوقفت أصوات علمائنا الأجلاء عند ذلك الحد، ولم تجرؤ على تجاوزه إلى توضيح سبب الخوف من ظاهرتي الخسوف والكسوف سواء الكلية أم الجزئية، في زمن بات من الضروري أن نتجاوز إلى عمق الأشياء وفهم كنهها وجوهرها

الاثنين - 12 أكتوبر 2015

Mon - 12 Oct 2015



قبل أيام تابع العالم أجمع (قمر الدم) وخسوفه الكلي، وتناقلت وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي الخبر العلمي الذي حدد الزمان بالثانية، والأماكن التي سترى هذه الظاهرة على الأرض، حتى وصل الحديث العلمي وحسابات الفلكيين أنها لن تتكرر قبل 2033م، ثم كمجتمع مسلم كثرت الرسائل والمواعظ عن أهمية صلاة الخسوف، لكن الجديد أن الأرجاء ضجت بتناقل فتوى تضع حلولا لخشية التعارض بين صلاتي الفجر (الفريضة) وصلاة الخسوف، وتوقفت أصوات علمائنا الأجلاء عند ذلك الحد، ولم تجرؤ على تجاوزه إلى توضيح سبب الخوف من ظاهرتي الخسوف والكسوف سواء الكلية أم الجزئية، في زمن بات من الضروري أن نتجاوز إلى عمق الأشياء وفهم كنهها وجوهرها.

أخرج مسلم في صحيحه من حديث عائشة - رضي الله عنها- أن الشمس انكسفت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام قياماً شديداً ...ثم قال «إن الشمس والقمر لا يكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنهما من آيات الله يخوف الله بهما عباده، فإذا رأيتم كسوفا فاذكروا الله حتى ينجليا».

وهنا يتساءل المسلمون اليوم، كيف نخاف من الخسوف والكسوف ونحن نعلم عن حدوث أحدهما بزمن كافٍ لما هيأ الله للإنسان من علم في عصرنا الحديث، وفهم المسلمون كغيرهم من سكان الأرض المسلّمة العلمية التي لا تقبل الجدل في تفسير ظاهرتي الخسوف والكسوف، وهذه المسلّمة قد نسفت كل التفسيرات التي لجأ إليها العقل البشري لإلجام الأسئلة الثائرة في أعماقه، فقد كان بعض الناس يرى أن القمر غرق في البحر، ومنهم من يقول (ابتلعته الحوتة)، وأمم تظن أن نمر الجاكوار التهمه، وبعضهم يظنه التنين أو الشياطين وغيرها، وهذا أمر طبيعي يعلمه الأنثروبولوجيون، لكن السؤال اليوم بعد التفسير العلمي الدقيق: ما الخوف المقصود في الحديث، ومم نخاف بالتحديد؟ فلا يعقل مطلقا أن يخاف الإنسان وهو يجهل حقيقة ما يخافه، فكثير من المسلمين اليوم يصلي صلاة الخسوف والكسوف، ويدعو في الصلاة، لكنه لا يشعر بخطر الظاهرة والخوف الحقيقي منها، فلا يعدو الخوف أن يكون تعبديا شكليا؛ لأنه لا يعلمه، وهذا لعمري يستوجب البحث والتدقيق، وأن نثبت للعالم أننا أمة مفكرة منتجة.

إننا نعلم اليوم أن دقة الأرصاد الجوية بلغت مبلغا عظيما، وصارت التنبؤات الجوية والفلكية محددة زمانا ومكانا، وهذا كله بتوفيق الله وهدايته الذي علّم الإنسان مالم يعلم، فحين يبدأ إعصار بالتشكل في أعماق الأطلسي، ترصده الأجهزة، وتقيس سرعته ومساحته، وتتابع وجهته، ثم تحذر القاطنين على طريقه كي يتوقّوا تدميره، وكذلك الأمطار، وقد صار دفاعنا المدني يرسل رسائل تحذيرية للمواطنين، وفي هذه الحالات يكون الخوف مبررا؛ لأننا نعلم يقينا مخاطر الأعاصير والأمطار على أرواحنا ومقدراتنا، لكن الذي نجهله تماما، ولم أسمع بتفسير علمي له إلى اليوم، هو سبب الخوف من خسوف القمر، وقد فهمنا علميا أن ظلال الأرض هي السبب، وكي لا يفهم بعض الأذكياء أني أجحد الخوف من الظاهرة، أو أدعو إلى التشكيك في الحديث، فإني أوضح هنا أن استغرابي يكمن في عُقم عقول علماء المسلمين وفلكييها عن بحث هذه المسألة وتفسيرها، وعدم الاكتفاء بتأول بعض العلماء أن الله يرينا بعض مظاهر القيامة، أو تأويل بعضهم بغفلة من لا يخاف.

تثور أسئلة كثيرة في أعماقي أمام هذا الحديث الشريف، مثل التفكير في أن لظاهرتي الخسوف والكسوف دورا في أنشطة طبيعية على كوكب الأرض ربما تكون تدميرية، أو تأثيرا على حياة الإنسان، أو ربما ترتبط بانقراض نوع من أنواع الأحياء الضرورية للتوازن الطبيعي، أو أن لها علاقة بالإنجاب أو الموت أو ما شابه، وهذه الأسئلة وغيرها لا تعدو نشاطا عقليا أمارسه باستمرار، ولست متخصصا حتى أبحر في التكهنات غير العلمية، وهنا يأتي دور علماء الدين الأجلاء، ويأتي دور الفلكيين المسلمين، وما أجمل التكاتف بين الجانبين حينما يطرحون هذه القضية تحت مجهر البحث، ولا عيب ولا حرمة أن يستعينوا بالمؤسسات الفلكية العالمية، ويستحثوا أفكار كل فلكيي العالم لبحث تأثير الظاهرة، وإثبات الإعجاز العلمي لهذا الحديث، وإسكات كل صوت يرى ضرورة التقدم العلمي وفهم جوهر التشريعات وإعجازها تنطعا عقليا، ويتهم المستجيبين لدعوة الله بالتفكر، في حين أن القرآن الكريم ذكر بالتفصيل سؤال إبرهيم ـ عليه السلام ـ ربه حول البعث، والإجابة المادية العملية من الله تبارك وتعالى، فما أحرانا أن نقتفي هذا الأسلوب العلمي القرآني الرصين، وأن نبتعد عن اتهام المتفكرين ومحاكمة نواياهم وعقائدهم، وإسكاتهم قسرا أو تهميشا، فالمعادلة الصحيحة في هذا المقام هي: (السؤال مفتاح المعرفة، والمعرفة طريق الإيمان).