محاكمة الشباب في يوتيوب

وضع أحد الأصدقاء مقطع فيديو ساخرا في (الواتس اب) لطفل سعودي، يعاني من تأتأة في الكلام، وبعد الطفل مباشرة كان هناك ماعز، صوته مقارب لصوت التأتأة للطفل في أول المقطع

وضع أحد الأصدقاء مقطع فيديو ساخرا في (الواتس اب) لطفل سعودي، يعاني من تأتأة في الكلام، وبعد الطفل مباشرة كان هناك ماعز، صوته مقارب لصوت التأتأة للطفل في أول المقطع

الاثنين - 05 أكتوبر 2015

Mon - 05 Oct 2015



وضع أحد الأصدقاء مقطع فيديو ساخرا في (الواتس اب) لطفل سعودي، يعاني من تأتأة في الكلام، وبعد الطفل مباشرة كان هناك ماعز، صوته مقارب لصوت التأتأة للطفل في أول المقطع.

الفيديو كاملا لا يتجاوز الخمس عشرة ثانية، وتم تجميعه للسخرية من الطفل، وتناقله الناس، تماما مثلما يتناقلون العشرات مثله من مقاطع السخرية لأناس قد يعانون من بعض الأمراض أو العاهات أو الخلقة الإلهية المتباينة، في قالب فكاهي لسمين جدا تارة، أو لطريقة مشي فلان أو كلامه تارة أخرى.

كثرت المقاطع حول هذه القضايا في الآونة الأخيرة، دون إدراك لحجم الدمار النفسي الذي قد يحدثه هذا المقطع أو ذاك، لنفسية وحياة الإنسان الذي تمت السخرية منه! خذ مثالا لقصة الطفل في ديباجة المقال، وكيف سيعيش المتبقي من عمره، بهذه الجراح النفسية من مقطع بلغ القاصي والداني.

وسيكبر هذا الطفل وسيتزوج وسيظل هذا الفيديو يلاحقه، وستظل آثاره السيئة وجراح الماضي تتجدد مع الأيام.

القضية خطيرة جدا وليست مبالغة، وهناك قصص وحكايا مشابهة دمرت حياة آخرين.

وأبرز مثال هو الشاب الكندي قازلين رازا، ودخل اسم هذا الشاب الصغير التاريخ لأنه أول شاب يجلس أمام القاضي وقضيته مقطع فيديو.

وبدأت القصة عندما كان قازلين، والذي يعاني من سمنة مفرطة، يعبث بعصا مقلدا فيها لقطات من المسلسل الشهير حرب النجوم، وقام بتصويره أحد زملائه بالثانوية، وتم تسريب المقطع لليوتيوب، حيث انتشر انتشار النار في الهشيم وتناقله الناس حول العالم.

أصبح حديث الإعلام، ولم يستطع المسكين تحمل هذا الكم الهائل من السخرية والضحك، وانتهى به الأمر بتدمير حياته والدخول لمصحة للأمراض النفسية! عندها أقام والداه دعوى بالمحكمة على زميله الذي سرب المقطع، وبعد مداولات حضرتها شاشات التلفزة، كسب قازلين القضية وتم تعويضه بمبلغ مليون جراء الآثار النفسية التي ترتبت على المقطع ونشره.

بعد قصة قازلين تحديدا خرج بالعالم الغربي مصطلح (التسلط الالكتروني أو Cyber Bullying) وأصبح له قوانين وندوات ومحاضرات ومناهج أحيانا لإدارته والحد من آثاره المدمرة على الشباب.

لحسن حظ قازلين أن هناك وعيا قضائيا على المستوى الحكومي للتفاعل مع قضيته، وهناك وعي مجتمعي للتعاون مع طبيب نفسي ليتجاوز المرحلة الصعبة تلك.

في المقابل، ماذا عن ذلك الطفل المريض بالتأتأة أعلاه؟ هل من قانون ينتصر له؟ ويقتص من شركات التسويق وسماسرة (الطقطقة) في انستقرام، ومؤسسات الفيديو في اليوتيوب الذين لا همّ لهم إلا زيادة المتابعين، ومن ثم زيادة المعلنين، على حساب حياة البسطاء، والضعفاء والأطفال! على المستوى الحكومي بالسعودية فيما يتعلق بقوانين التسلط الالكتروني مقصرون، وعلى المستوى الشعبي فيما يتعلق بحاجة الإنسان لطبيب نفسي لتجاوز مثل هذه الأزمات كذلك مقصرون، لأنه ما زال هناك ثقافة سائدة - موغلة تخلفا - تقول إننا شعب لا يحتاج الطبيب النفسي!