خامنئي يسرق الأحواز في وضح النهار
25 مدينة وقرية عربية تثور في وجه الظلم.. ومقاطع فيديو تفضح النظام سكان خوزستان يعيشون ظروفا معيشية صعبة نتيجة سياسات تمييزية ممنهجة الأحواز يملكون 80% من النفط ويعاملون كأفقر أقاليم إيران وأقلها خدمات السلطات تخطف الأنهار وتنقل مياهها إلى محافظات أصفهان ويزد وقم الفلاحون ينزحون من أراضيهم بعد انتشار التصحر وتزايد الأضرار البيئية التهجير القسري لخيرات عرب إيران وراء الاحتجاجات الواسعة على النظام
الاحد / 15 / ذو الحجة / 1442 هـ - 20:03 - الاحد 25 يوليو 2021 20:03
فيما تواصلت الاحتجاجات الواسعة في إقليم خوزستان، واصل نظام الملالي الإيراني بقيادة علي خامنئي سرقة مقدرات الأحواز، واستمر العمل الممنهج لنقل المياه والبترول والثروات التي يمتلكونها إلى محافظات وأقاليم أخرى.
ووصفت الباحثة في مركز الأهرام للدراسات السياسية رانيا مكرم، ما يحدث من طمس لهوية الأحواز وقمعهم والاستيلاء على ثرواتهم بـ(السرقة التي تتم في وضح النهار) من نظام يملك رصيدا كبيرا في الانتهاكات الدولية، ويعد أكثر أنظمة العالم قمعا، وممارسة للإرهاب والخروج على القانون.
وأكدت الباحثة أن الاحتجاجات الحالية في إقليم خوزستان والتي زادت اشتعالا في الأيام الماضية لم تأت من فراغ، وتعود إلى تراكمات سياسية واقتصادية واجتماعية وبيئية عديدة، على نحو يوحي بأنها قد تتسبب في أزمة غير مسبوقة بالنسبة للنظام الإيراني الذي أبدى اهتماما خاصا بها، على نحو بدا جليا في الزيارة التي قام بها قائد الحرس الثوري حسين سلامي إلى الإقليم في 24 يوليو الحالي.
سياسات تمييزية
تقول الباحثة «يعيش سكان إقليم خوزستان جنوب غرب إيران في ظل ظروف معيشية صعبة نتيجة مجمل سياسات تمييزية ممنهجة من قبل النظام الإيراني تجاه الإقليم، الذي تقطنه القومية العربية ذات الامتدادات التاريخية مع محيطها العربي خارج الحدود الإيرانية».
تضيف «تعتمد هذه السياسات بالأساس على استراتيجية «تفريس» الإقليم، وتغيير هويته القومية والعرقية، وتشتيت سكانه في باقي أقاليم الدولة، وذلك من خلال التهجير القسري، والاختياري لسكانه، بسبب الأوضاع الاقتصادية والبيئية الصعبة التي يعاني منها الإقليم».
أفقر الأقاليم
ويعد إقليم خوزستان، وعاصمته الأحواز، نظريا، أغنى الأقاليم الإيرانية، حيث تحتوي أراضيه، حسب بعض التقديرات، على 80% من نفط إيران، ونحو 33% من الثروة المائية للبلاد، إذ يمر بالإقليم عدة أنهار مثل نهر كارون، وكرخة، والجراحي. أما واقعيا، فيعد الإقليم من أفقر الأقاليم الإيرانية وأقلها حظا من حيث توافر الخدمات والبنى التحتية،لا سيما بعد القصف الكثيف الذي شهده الإقليم أثناء الحرب العراقية – الإيرانية (1980– 1988) الذي تسبب في تدمير أجزاء كثيرة منه، وعدم إقدام الحكومة المركزية في طهران على إعادة إعماره، فضلا عن سياسة تغيير مسارات الأنهار التي أسهمت في تصحر أراضي الإقليم، وتغيير بيولوجية البيئة فيه.
تظاهرات واسعة
تؤدي مجموعة من العوامل إلى اندلاع احتجاجات متكررة عمالية وجماهيرية في الإقليم، تختلف أسبابها في كل مرة، لكنها تؤكد رفض سياسة النظام تجاه الإقليم من ناحية، وسكانه من ناحية أخرى، وهو ما انعكس في الاحتجاجات الحالية التي بدأ يتسع نطاقها ليتجاوز خوزستان إلى غيرها من المحافظات الإيرانية.
ويشهد إقليم خوزستان، منذ 15 يوليو الحالي تظاهرات واسعة، بسبب ما اعتبره سكان الإقليم سياسة ممنهجة لمنع الإقليم من استغلال مقدراته، والسعي لتحويل ثرواته إلى المحافظات والأقاليم الأخرى دون النظر لاحتياجات سكانه.
خطف المياه
وتندلع تظاهرات الأحواز هذه المرة على خلفية إقدام السلطات الإيرانية على تغيير مسار ونقل مياه نهر كارون من الأحواز إلى محافظات أصفهان، ويزد، وقم، وشهد النهر الأكبر في الإقليم عمليات تغيير مسار متكررة منذ سنوات لمحافظات أخرى في العمق الإيراني، لمواجهة مشكلة المياه المتفاقمة في أغلب الأقاليم الإيرانية الداخلية، غير أن هذه السياسات قد تسببت في شح مياه الشرب في الإقليم، وانخفاض حاد في مستوى مياه الري اللازمة لآلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية، مما أدى إلى انتشار التصحر، وتزايد
العواصف الترابية، والإضرار بالبيئة بشكل عام، فضلا عن نزوح السكان من المناطق المتصحرة وبصفة خاصة الفلاحين إلى المدن المختلفة.
موجة جفاف
وأشارت وثيقة نشرتها منظمة «حقوق الإنسان الأحوازية» - مقرها بلجيكا- إلى أن الحكومة الإيرانية قد أصدرت قرارا بتنفيذ مشاريع نقل المياه وتخصيص الميزانية اللازمة لها من خلال إكمال مشاريع حفر أنفاق «كوهرنك 3» و»بهشت أباد» لغرض نقل مياه نهر كارون من الأحواز إلى أصفهان، على نحو أثار حفيظة سكان الإقليم، وأدى إلى تصاعد الدعوات إلى ضرورة إعادة النظر في سياسات السلطات الإيرانية تجاه الأحواز بصفة عامة، وفيما يخص إدارة الموارد المائية بصفة خاصة.
وتواجه إيران أزمة توفير المياه والكهرباء لأغلب محافظاتها، بسبب تعرضها لموجة جفاف غير مسبوقة منذ 50 عاما، نتجت عن ارتفاع درجات الحرارة، وانخفاض مستويات هطول الأمطار، بنسبة تزيد عن 40% عن مستويات العام الماضي، وقد تزداد هذه الأزمة سوءا في المحافظات الحدودية، مما تسبب بدوره في خفض الطاقة الكهرومائية المنتجة في السدود الإيرانية، وانقطاع التيار الكهربائي بشكل متكرر في عموم إيران خلال الأشهر الأخيرة.
إفقار السكان
وتعود الباحثة رانيا مكارم للتأكيد بأن إدارة ملف المياه في إيران واجهت إشكاليات عديدة، بسبب الدخول في مشروعات غير مدروسة، ينتج عنها تداعيات سلبية عدة، لا سيما مشروع «بهشت أباد» الذي تولته مجموعة «خاتم المرسلين» المؤسسة الاقتصادية التابعة للحرس الثوري، ذلك المشروع الذي تعطل لسنوات بسبب مشكلات فنية عرقلت تنفيذه.
وعلى الرغم من تأكيد السلطات الإيرانية عدم وجود أي دوافع سياسية وراء قرارات تحويل مسار الأنهار في الأحواز، فإن سابق سياساتها في إقليم خوزستان يشير إلى عدم اكتراثها بعواقب مشروعات الاستفادة من مقدرات الإقليم النفطية والمائية وإيصالها لباقي أقاليم الدولة، نظرا للتغافل عن احتياجات الإقليم من هذه المقدرات وبالتالي إفقاره وإفقار سكانه، الأمر الذي تنتج عنه احتجاجات مستمرة يشهدها الإقليم منذ أبريل 2005 عندما اندلعت احتجاجات على خلفية نشر رسالة نسبت إلى محمد علي أبطحي مستشار الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، تحدث فيها عن عدة تدابير من شأنها تقليص نسبة العرب في الأحواز، وضرورة الحد من النفوذ العربي في الإقليم، من خلال خطة لتعديل التركيبة السكانية فيه ونقل العرب إلى شمال إيران.
مخاوف الأكراد
ووفقا للباحثة، تثير سياسات السلطات الإيرانية في الأحواز تخوفات عدة لدى قوميات أخرى وبصفة خاصة القومية الكردية التي تقطن أغلبيتها إقليم كردستان غرب إيران، حيث يتحسب الأكراد من امتداد السياسة المائية التي تمارسها السلطات الإيرانية في الأحواز إلى كردستان، لاسيما في ظل الحديث عن قرارات حكومية تفيد باعتزام السلطات تحويل مسارات أنهار في الإقليم نحو مناطق ريفية في العاصمة طهران، وهو ما يفسر قيام بعض الأكراد بتظاهرات مؤيدة للمحتجين الأحواز، فيما اتسعت رقعة الاحتجاجات خارج الأحواز، لتشمل بعض المدن خارج الإقليم، من بينها العاصمة طهران، إذ شهدت ساحة آزادي تظاهرة كبيرة، شملت طلبة عرب مهجرين إلى طهران، يقطنون حى «دولت أباد»، بالإضافة إلى مناطق قوميات أخرى لاسيما في محافظة أذربيجان الغربية، ذات الغالبية الآذرية.
احتجاجات جديدة
وتشير الباحثة إلى اندلاع احتجاجات جديدة قبل أسبوعين تقريبا من تولي الرئيس المنتخب إبراهيم رئيسي مقاليد منصبه، وفي وقت تسعى الحكومة الحالية، والرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني، إلى إنهاء مهماتها، وإغلاق ملفاتها في العديد من القضايا، لتأتي الاحتجاجات الممتدة في الأحواز لتلقي بظلالها علي المشهد السياسي الحالي، لا سيما في ظل الأبعاد المختلفة التي اتخذتها هذه الاحتجاجات.
وعلى الرغم من التعامل الأمني مع المتظاهرين، وسقوط قتلى وعشرات المصابين واعتقال مئات المحتجين، فقد استمرت التظاهرات في أنحاء الإقليم، وامتدت إلى خارجه، في حين أن التظاهرات السابقة عادة ما تتم السيطرة عليها أمنيا في أيام معدودة، كما لم تهدأ التظاهرات حينما أقدمت القوات الأمنية المتمركزة في محافظات الإقليم بالقرب من ميادين التظاهر على التراجع بعض الشيء، وكذلك إرسال الجيش الإيراني صهاريج مياه إلى مدن الإقليم في محاولة لاحتواء هذه الاحتجاجات، التي اتخذت بدورها بعدا دوليا، وذلك بإعلان
الولايات المتحدة متابعتها لتطورات التظاهرات، وانتقادها العنف الموجه ضد المتظاهرين.
فضح النظام
وأبدى مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي في الداخل الإيراني، وفي الخارج، اهتماما ملحوظا بتطور الاحتجاجات، وذلك من خلال تناقل فيديوهات للتظاهرات، والدعوة لتنظيم تجمعات في ميادين أغلب المحافظات الإيرانية، تضامنا مع الحراك في الأحواز الذي شمل أكثر من 25 مدينة وقرية عربية في الإقليم، لاسيما مقاطع الفيديو التي تفضح عنف الأجهزة الأمنية ضد المتظاهرين، والذي تسبب في مقتل 10 من المحتجين على الأقل حتى الآن، واعتقال ما يزيد عن 350 محتجا أغلبهم من مدينة المحمرة. فيما تصدرت هاشتاقات مؤيدة للاحتجاجات مثل «#الأحواز_تنتفض»، و»#بسلام_آمنين» ضمن الأكثر تداولا عبر منصة «تويتر».
ودعت المنظمات الأحوازية في الخارج على صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بها إلى التظاهر تضامنا مع الأحواز، أمام مقرات السفارات الإيرانية في أوروبا وأمام مقار هيئات تابعة للأمم المتحدة. وفي المقابل، أقدمت السلطات الإيرانية على قطع خدمة الإنترنت في أغلب مدن الإقليم، وحجب مواقع التواصل الاجتماعي عبر الهواتف النقالة، للسيطرة على دعوات التظاهر في الإقليم وخارجه، لا سيما في ظل استمرار الاحتجاجات على نحو غير مسبوق.
تضارب التصريح
اتوتلفت الباحثة النظر إلى تضارب التصاريح الرسمية حول الاحتجاجات، حيث إنه دائما ما تقابل الاحتجاجات الشعبية والفئوية التي يشهدها إقليم خوزستان باتهامات بالتخوين توجهها السلطات الإيرانية للمتظاهرين، واستخدام الحلول الأمنية للسيطرة السريعة على الاحتجاجات ومحاصرتها، غير أنه مع استمرار التظاهرات، وتزايد العنف تجاه المتظاهرين، تصاعدت انتقادات بعض المسؤولين السياسيين والشخصيات العامة، لحالة الإقليم المتردية.
وفي الوقت الذي تعزي فيه الحكومة الإيرانية أزمات الإقليم المائية إلى «الإصرار» على زراعة الأرز الذي يستهلك قدرا وفيرا من مياه الري، انتقد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي مسؤولي إقليم خوزستان، وحملهم مسؤولية تردي أوضاع الإقليم وشح الماء فيه، فيما بدا وكأنه محاولة لاحتواء غضب المتظاهرين، كما انتقد محسن حيدري مندوب الأحواز في مجلس خبراء القيادة مشروع «بهشت أباد» نظرا لتأثيره السلبي علي الإقليم.
تضامن نجاد
وفيما عبر الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد عن تضامنه مع مطالب المحتجين، منتقدا سياسة الحكومة التي تحرم الإقليم من الاستثمارات والتنمية، كما انتقد الرئيس الأسبق محمد خاتمي سياسة القمع تجاه المتظاهرين السلميين، ودعا إلى النظر بجدية في مطالبهم، فيما أعاد أنصار خاتمي مقولته «إيران تتنفس من خوزستان» للدلالة على أهمية الإقليم، وما يتمتع به من مقومات.
وتأتي تصريحات الرئيسين السابقين في إطار انقسامات بين مفاصل السلطة داخل النظام الإيراني، وسيولة الوضع السياسي قبل تسليم الرئيس المنتخب إبراهيم رئيسي السلطة من الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني.
الياقات الزرقاء
وتؤكد الباحثة في نهاية التقرير أن سياسات السلطات الإيرانية التمييزية في الأحواز تمهد الطريق أمام احتجاجات سكانه المستمرة والمتجددة تجاه هذه السياسات، فعلى سبيل المثال، أشار تقرير المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في إيران جاويد رحمان الصادر عن ربيع 2021 إلى «وجود سياسات تهجير قسري من المناطق التي تقطنها القوميات في البلاد، تضم من بينها القومية العربية في الأحواز».
وعدد التقرير سبل التمييز ضد الإقليم، لا سيما في سوق العمل في قطاع النفط والغاز، موضحا أن الإقليم يحتوي على عدد من المنشآت النفطية التي يحصل فيها الفرس على الوظائف القيادية، بينما ينتمي معظم الأحوازيين إلى العمال ذوي الياقات الزرقاء، وأن سكان الإقليم يشغلون فقط 5% من وظائف صناعة النفط في الإقليم، وذلك طبقا لتصريح ممثل المرشد الأعلى في الأحواز محسن حيدري، في 6 يناير2021.
احتجاجات الأحواز.. لماذا؟
80 % من نفط إيران يخرج من أرض الأحواز
33 % من الثروة المائية للبلاد في الإقليم
05 % فقط من الوظائف يحصل عليها عرب إيران
يعاملون كأفقر الأقاليم في إيران
يعانون من عدم توفر البنية التحتية
أماكن سكنهم بلا خدمات أو تنمية
تغيير مسارات الأنهار التي تخرج من أرضهم
تم إهمال الإقليم وأهمل إعماره بعد الحرب العراقية
يواجهون القمع والقتل والعنف والاعتقال
ووصفت الباحثة في مركز الأهرام للدراسات السياسية رانيا مكرم، ما يحدث من طمس لهوية الأحواز وقمعهم والاستيلاء على ثرواتهم بـ(السرقة التي تتم في وضح النهار) من نظام يملك رصيدا كبيرا في الانتهاكات الدولية، ويعد أكثر أنظمة العالم قمعا، وممارسة للإرهاب والخروج على القانون.
وأكدت الباحثة أن الاحتجاجات الحالية في إقليم خوزستان والتي زادت اشتعالا في الأيام الماضية لم تأت من فراغ، وتعود إلى تراكمات سياسية واقتصادية واجتماعية وبيئية عديدة، على نحو يوحي بأنها قد تتسبب في أزمة غير مسبوقة بالنسبة للنظام الإيراني الذي أبدى اهتماما خاصا بها، على نحو بدا جليا في الزيارة التي قام بها قائد الحرس الثوري حسين سلامي إلى الإقليم في 24 يوليو الحالي.
سياسات تمييزية
تقول الباحثة «يعيش سكان إقليم خوزستان جنوب غرب إيران في ظل ظروف معيشية صعبة نتيجة مجمل سياسات تمييزية ممنهجة من قبل النظام الإيراني تجاه الإقليم، الذي تقطنه القومية العربية ذات الامتدادات التاريخية مع محيطها العربي خارج الحدود الإيرانية».
تضيف «تعتمد هذه السياسات بالأساس على استراتيجية «تفريس» الإقليم، وتغيير هويته القومية والعرقية، وتشتيت سكانه في باقي أقاليم الدولة، وذلك من خلال التهجير القسري، والاختياري لسكانه، بسبب الأوضاع الاقتصادية والبيئية الصعبة التي يعاني منها الإقليم».
أفقر الأقاليم
ويعد إقليم خوزستان، وعاصمته الأحواز، نظريا، أغنى الأقاليم الإيرانية، حيث تحتوي أراضيه، حسب بعض التقديرات، على 80% من نفط إيران، ونحو 33% من الثروة المائية للبلاد، إذ يمر بالإقليم عدة أنهار مثل نهر كارون، وكرخة، والجراحي. أما واقعيا، فيعد الإقليم من أفقر الأقاليم الإيرانية وأقلها حظا من حيث توافر الخدمات والبنى التحتية،لا سيما بعد القصف الكثيف الذي شهده الإقليم أثناء الحرب العراقية – الإيرانية (1980– 1988) الذي تسبب في تدمير أجزاء كثيرة منه، وعدم إقدام الحكومة المركزية في طهران على إعادة إعماره، فضلا عن سياسة تغيير مسارات الأنهار التي أسهمت في تصحر أراضي الإقليم، وتغيير بيولوجية البيئة فيه.
تظاهرات واسعة
تؤدي مجموعة من العوامل إلى اندلاع احتجاجات متكررة عمالية وجماهيرية في الإقليم، تختلف أسبابها في كل مرة، لكنها تؤكد رفض سياسة النظام تجاه الإقليم من ناحية، وسكانه من ناحية أخرى، وهو ما انعكس في الاحتجاجات الحالية التي بدأ يتسع نطاقها ليتجاوز خوزستان إلى غيرها من المحافظات الإيرانية.
ويشهد إقليم خوزستان، منذ 15 يوليو الحالي تظاهرات واسعة، بسبب ما اعتبره سكان الإقليم سياسة ممنهجة لمنع الإقليم من استغلال مقدراته، والسعي لتحويل ثرواته إلى المحافظات والأقاليم الأخرى دون النظر لاحتياجات سكانه.
خطف المياه
وتندلع تظاهرات الأحواز هذه المرة على خلفية إقدام السلطات الإيرانية على تغيير مسار ونقل مياه نهر كارون من الأحواز إلى محافظات أصفهان، ويزد، وقم، وشهد النهر الأكبر في الإقليم عمليات تغيير مسار متكررة منذ سنوات لمحافظات أخرى في العمق الإيراني، لمواجهة مشكلة المياه المتفاقمة في أغلب الأقاليم الإيرانية الداخلية، غير أن هذه السياسات قد تسببت في شح مياه الشرب في الإقليم، وانخفاض حاد في مستوى مياه الري اللازمة لآلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية، مما أدى إلى انتشار التصحر، وتزايد
العواصف الترابية، والإضرار بالبيئة بشكل عام، فضلا عن نزوح السكان من المناطق المتصحرة وبصفة خاصة الفلاحين إلى المدن المختلفة.
موجة جفاف
وأشارت وثيقة نشرتها منظمة «حقوق الإنسان الأحوازية» - مقرها بلجيكا- إلى أن الحكومة الإيرانية قد أصدرت قرارا بتنفيذ مشاريع نقل المياه وتخصيص الميزانية اللازمة لها من خلال إكمال مشاريع حفر أنفاق «كوهرنك 3» و»بهشت أباد» لغرض نقل مياه نهر كارون من الأحواز إلى أصفهان، على نحو أثار حفيظة سكان الإقليم، وأدى إلى تصاعد الدعوات إلى ضرورة إعادة النظر في سياسات السلطات الإيرانية تجاه الأحواز بصفة عامة، وفيما يخص إدارة الموارد المائية بصفة خاصة.
وتواجه إيران أزمة توفير المياه والكهرباء لأغلب محافظاتها، بسبب تعرضها لموجة جفاف غير مسبوقة منذ 50 عاما، نتجت عن ارتفاع درجات الحرارة، وانخفاض مستويات هطول الأمطار، بنسبة تزيد عن 40% عن مستويات العام الماضي، وقد تزداد هذه الأزمة سوءا في المحافظات الحدودية، مما تسبب بدوره في خفض الطاقة الكهرومائية المنتجة في السدود الإيرانية، وانقطاع التيار الكهربائي بشكل متكرر في عموم إيران خلال الأشهر الأخيرة.
إفقار السكان
وتعود الباحثة رانيا مكارم للتأكيد بأن إدارة ملف المياه في إيران واجهت إشكاليات عديدة، بسبب الدخول في مشروعات غير مدروسة، ينتج عنها تداعيات سلبية عدة، لا سيما مشروع «بهشت أباد» الذي تولته مجموعة «خاتم المرسلين» المؤسسة الاقتصادية التابعة للحرس الثوري، ذلك المشروع الذي تعطل لسنوات بسبب مشكلات فنية عرقلت تنفيذه.
وعلى الرغم من تأكيد السلطات الإيرانية عدم وجود أي دوافع سياسية وراء قرارات تحويل مسار الأنهار في الأحواز، فإن سابق سياساتها في إقليم خوزستان يشير إلى عدم اكتراثها بعواقب مشروعات الاستفادة من مقدرات الإقليم النفطية والمائية وإيصالها لباقي أقاليم الدولة، نظرا للتغافل عن احتياجات الإقليم من هذه المقدرات وبالتالي إفقاره وإفقار سكانه، الأمر الذي تنتج عنه احتجاجات مستمرة يشهدها الإقليم منذ أبريل 2005 عندما اندلعت احتجاجات على خلفية نشر رسالة نسبت إلى محمد علي أبطحي مستشار الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، تحدث فيها عن عدة تدابير من شأنها تقليص نسبة العرب في الأحواز، وضرورة الحد من النفوذ العربي في الإقليم، من خلال خطة لتعديل التركيبة السكانية فيه ونقل العرب إلى شمال إيران.
مخاوف الأكراد
ووفقا للباحثة، تثير سياسات السلطات الإيرانية في الأحواز تخوفات عدة لدى قوميات أخرى وبصفة خاصة القومية الكردية التي تقطن أغلبيتها إقليم كردستان غرب إيران، حيث يتحسب الأكراد من امتداد السياسة المائية التي تمارسها السلطات الإيرانية في الأحواز إلى كردستان، لاسيما في ظل الحديث عن قرارات حكومية تفيد باعتزام السلطات تحويل مسارات أنهار في الإقليم نحو مناطق ريفية في العاصمة طهران، وهو ما يفسر قيام بعض الأكراد بتظاهرات مؤيدة للمحتجين الأحواز، فيما اتسعت رقعة الاحتجاجات خارج الأحواز، لتشمل بعض المدن خارج الإقليم، من بينها العاصمة طهران، إذ شهدت ساحة آزادي تظاهرة كبيرة، شملت طلبة عرب مهجرين إلى طهران، يقطنون حى «دولت أباد»، بالإضافة إلى مناطق قوميات أخرى لاسيما في محافظة أذربيجان الغربية، ذات الغالبية الآذرية.
احتجاجات جديدة
وتشير الباحثة إلى اندلاع احتجاجات جديدة قبل أسبوعين تقريبا من تولي الرئيس المنتخب إبراهيم رئيسي مقاليد منصبه، وفي وقت تسعى الحكومة الحالية، والرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني، إلى إنهاء مهماتها، وإغلاق ملفاتها في العديد من القضايا، لتأتي الاحتجاجات الممتدة في الأحواز لتلقي بظلالها علي المشهد السياسي الحالي، لا سيما في ظل الأبعاد المختلفة التي اتخذتها هذه الاحتجاجات.
وعلى الرغم من التعامل الأمني مع المتظاهرين، وسقوط قتلى وعشرات المصابين واعتقال مئات المحتجين، فقد استمرت التظاهرات في أنحاء الإقليم، وامتدت إلى خارجه، في حين أن التظاهرات السابقة عادة ما تتم السيطرة عليها أمنيا في أيام معدودة، كما لم تهدأ التظاهرات حينما أقدمت القوات الأمنية المتمركزة في محافظات الإقليم بالقرب من ميادين التظاهر على التراجع بعض الشيء، وكذلك إرسال الجيش الإيراني صهاريج مياه إلى مدن الإقليم في محاولة لاحتواء هذه الاحتجاجات، التي اتخذت بدورها بعدا دوليا، وذلك بإعلان
الولايات المتحدة متابعتها لتطورات التظاهرات، وانتقادها العنف الموجه ضد المتظاهرين.
فضح النظام
وأبدى مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي في الداخل الإيراني، وفي الخارج، اهتماما ملحوظا بتطور الاحتجاجات، وذلك من خلال تناقل فيديوهات للتظاهرات، والدعوة لتنظيم تجمعات في ميادين أغلب المحافظات الإيرانية، تضامنا مع الحراك في الأحواز الذي شمل أكثر من 25 مدينة وقرية عربية في الإقليم، لاسيما مقاطع الفيديو التي تفضح عنف الأجهزة الأمنية ضد المتظاهرين، والذي تسبب في مقتل 10 من المحتجين على الأقل حتى الآن، واعتقال ما يزيد عن 350 محتجا أغلبهم من مدينة المحمرة. فيما تصدرت هاشتاقات مؤيدة للاحتجاجات مثل «#الأحواز_تنتفض»، و»#بسلام_آمنين» ضمن الأكثر تداولا عبر منصة «تويتر».
ودعت المنظمات الأحوازية في الخارج على صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بها إلى التظاهر تضامنا مع الأحواز، أمام مقرات السفارات الإيرانية في أوروبا وأمام مقار هيئات تابعة للأمم المتحدة. وفي المقابل، أقدمت السلطات الإيرانية على قطع خدمة الإنترنت في أغلب مدن الإقليم، وحجب مواقع التواصل الاجتماعي عبر الهواتف النقالة، للسيطرة على دعوات التظاهر في الإقليم وخارجه، لا سيما في ظل استمرار الاحتجاجات على نحو غير مسبوق.
تضارب التصريح
اتوتلفت الباحثة النظر إلى تضارب التصاريح الرسمية حول الاحتجاجات، حيث إنه دائما ما تقابل الاحتجاجات الشعبية والفئوية التي يشهدها إقليم خوزستان باتهامات بالتخوين توجهها السلطات الإيرانية للمتظاهرين، واستخدام الحلول الأمنية للسيطرة السريعة على الاحتجاجات ومحاصرتها، غير أنه مع استمرار التظاهرات، وتزايد العنف تجاه المتظاهرين، تصاعدت انتقادات بعض المسؤولين السياسيين والشخصيات العامة، لحالة الإقليم المتردية.
وفي الوقت الذي تعزي فيه الحكومة الإيرانية أزمات الإقليم المائية إلى «الإصرار» على زراعة الأرز الذي يستهلك قدرا وفيرا من مياه الري، انتقد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي مسؤولي إقليم خوزستان، وحملهم مسؤولية تردي أوضاع الإقليم وشح الماء فيه، فيما بدا وكأنه محاولة لاحتواء غضب المتظاهرين، كما انتقد محسن حيدري مندوب الأحواز في مجلس خبراء القيادة مشروع «بهشت أباد» نظرا لتأثيره السلبي علي الإقليم.
تضامن نجاد
وفيما عبر الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد عن تضامنه مع مطالب المحتجين، منتقدا سياسة الحكومة التي تحرم الإقليم من الاستثمارات والتنمية، كما انتقد الرئيس الأسبق محمد خاتمي سياسة القمع تجاه المتظاهرين السلميين، ودعا إلى النظر بجدية في مطالبهم، فيما أعاد أنصار خاتمي مقولته «إيران تتنفس من خوزستان» للدلالة على أهمية الإقليم، وما يتمتع به من مقومات.
وتأتي تصريحات الرئيسين السابقين في إطار انقسامات بين مفاصل السلطة داخل النظام الإيراني، وسيولة الوضع السياسي قبل تسليم الرئيس المنتخب إبراهيم رئيسي السلطة من الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني.
الياقات الزرقاء
وتؤكد الباحثة في نهاية التقرير أن سياسات السلطات الإيرانية التمييزية في الأحواز تمهد الطريق أمام احتجاجات سكانه المستمرة والمتجددة تجاه هذه السياسات، فعلى سبيل المثال، أشار تقرير المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في إيران جاويد رحمان الصادر عن ربيع 2021 إلى «وجود سياسات تهجير قسري من المناطق التي تقطنها القوميات في البلاد، تضم من بينها القومية العربية في الأحواز».
وعدد التقرير سبل التمييز ضد الإقليم، لا سيما في سوق العمل في قطاع النفط والغاز، موضحا أن الإقليم يحتوي على عدد من المنشآت النفطية التي يحصل فيها الفرس على الوظائف القيادية، بينما ينتمي معظم الأحوازيين إلى العمال ذوي الياقات الزرقاء، وأن سكان الإقليم يشغلون فقط 5% من وظائف صناعة النفط في الإقليم، وذلك طبقا لتصريح ممثل المرشد الأعلى في الأحواز محسن حيدري، في 6 يناير2021.
احتجاجات الأحواز.. لماذا؟
80 % من نفط إيران يخرج من أرض الأحواز
33 % من الثروة المائية للبلاد في الإقليم
05 % فقط من الوظائف يحصل عليها عرب إيران
يعاملون كأفقر الأقاليم في إيران
يعانون من عدم توفر البنية التحتية
أماكن سكنهم بلا خدمات أو تنمية
تغيير مسارات الأنهار التي تخرج من أرضهم
تم إهمال الإقليم وأهمل إعماره بعد الحرب العراقية
يواجهون القمع والقتل والعنف والاعتقال