الرأي

بلوغ التفكير الكوني

شاهر النهاري
نعم، البعض يشعر بأنه محور للكون، وهذا أمر طبيعي لمن لا يتمكن من قياس ذاته ومقارنتها بمكونات الكون، والفصل بين الخطوط العريضة بتطبيق نظريات علمية لا خيال فيها ولا شك.

نعم التفكير البشري طبقات، يصعب على البعض تحديد أيها غاية الصغر، وأيها الأكبر. تبدأ من طبقة الأنا، والتي لا يعود الشخص فيها يتخطى ذاته، بل إنه يتعامل مع ما سواها وكأنها أساطير. والطبقة الثانية تظهر على البشر الذي يتخطى ذاته لأسرته، فيعرف أنها هي الكينونة الأهم وأنها محور الكون بالنسبة له، فيرعى جزيئات كونه بحياة أسرته واستمرارها.

وطبقة الكينونة الثالثة هي المجتمع بكامله حين تكون هموم المجتمع هي الأولويات بالنسبة للشخص يراعي دقائق ما يحدث فيها، ويعمل بكل فكره وجهده وما يمتلك ليرتقي هذا المجتمع ويكون ويبقى.

ثم تأتي الطبقة الرابعة وهي الوطن، فيعيش البشر في مفهومها وسط وطن يحبه ويضحي من أجله ويهتم بكل ما يحدث له ويدافع عنه بروحه ويتقبله بكل أحواله، بل إنه في حالات كثيرة يشعر أن وطنه هو الأنا التي يعيش بها ولها.

بعد ذلك تتعاقب الحلقات التي قد توجد عند البعض بعرق أو لون أو دين أو لغة، أو حتى قطعة جغرافية تجمعه بأصحابها، مهما كانت صغيرة أو متعددة الدول أو قارة أو تكتل.

وفي قمة تلك الحلقات نجد الإنسانية كرباط شامل عظيم يحوي كل إنسان على وجه الأرض مهما اختلف معه في أي من مكونات الروح والجسد الإنساني، وتلك هي أعلى مراحل الأنا المتعاظمة، التي لا يصلها ولا يعقلها ولا يعيشها كل بشر، كونها تعني الإنسان وتشمل بيئته وكوكبه الأرضي بكل ما يحويه من مخلوقات وبيئة، ومكونات قد تتعدى الغلاف الجوي للأبعد، ويكون كل ذلك هو الأنا الأعظم لهذا البشر.

كارثة انتشار كورونا جعلتنا ندرك أن أغلبية البشر لا يجدون أنفسهم في الطبقات العليا من مراتب الإنسانية، وأن كثيرا منهم يظل يستغل الظروف ويتحايل، ولا يدرك إنسانية التفكير الكوني، مما جعل العالم يفشل فشلا ذريعا، بتأخر المعالجة وشيوع التراشق بالسياسة، والوقوف عند طبقات سفلى للبحث عن الذات المحدودة الناقصة وعدم بلوغ الفكر الكوني.

الأغلبية كانوا يبحثون عن نجاة أسرهم أو مجتمعاتهم أو أوطانهم أو مناطقهم الجغرافية، بانعدام القدرة على بلوغ المرحلة الكونية، خاصة من قبل زعماء دول ظلوا منكفئين على ذواتهم وطموحاتهم وكراسيهم، وعدم اهتمامهم بالحدث كتهديد عالمي يستوجب التوحد.

ماذا لو كان الحدث بشريا، كقيام قائد مختل بإرسال صاروخ نووي إلى دولة أخرى، فهل سيتحمل الجميع مسؤولية ذلك، والقيام بما يجب لإيقاف الكارثة، أو معالجتها بعد حدوثها بإنسانية مشتركة تعرف أن الضرر سيصيب الجميع؟

ماذا لو كان الحدث قادما من الفضاء، بسقوط نيزك ضخم يهز البحار والجبال ويحرق وجه الأرض؟ هل ستتمكن هذه الإنسانية المتفرقة المتناحرة من الوقوف في وجه ذلك النيزك قبل أن يبلغ الأرض؟

ماذا لو كان الخطر كائنات فضائية؟ هل سيثبت زعماء الأرض خيبتهم وضعفهم، كما حصل مع فيروس كورونا؟

طبقة الإنسانية العليا يجب أن يمتلكها كل زعيم في ذاته كمبدأ، قبل أن يفجر في الأرض كينونة الأنا المريضة لزيادة الشقاق والكيد والشرور.

Shaheralnahari@