الحج محفل للحضارة الإسلامية.. ولكن!

في حجة الوداع التي وصل فيها الرسول صلى الله عليه وسلم مع (140.000) من أصحابه وأتباعه إلى عرفات وتجمعوا عند جبل الرحمة فخطب خطبته العصماء؛ التي كانت إطارا

في حجة الوداع التي وصل فيها الرسول صلى الله عليه وسلم مع (140.000) من أصحابه وأتباعه إلى عرفات وتجمعوا عند جبل الرحمة فخطب خطبته العصماء؛ التي كانت إطارا

الثلاثاء - 29 سبتمبر 2015

Tue - 29 Sep 2015



في حجة الوداع التي وصل فيها الرسول صلى الله عليه وسلم مع (140.000) من أصحابه وأتباعه إلى عرفات وتجمعوا عند جبل الرحمة فخطب خطبته العصماء؛ التي كانت إطارا تنظيميا شاملا لحياة الناس نقلتهم من الجاهلية العمياء إلى نور الإيمان واليقين.. ومن الضلالة إلى الهدى.. وهو يشعر بأنه راحل من الدنيا إلى جوار ربه الكريم فيقول: «لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا..» ونزلت الآية القرآنية الكريمة: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا﴾ (المائدة: 3)

ومنذ ذلك التاريخ أصبح الحج مجمعا حضاريا يجتمع فيه المسلمون من كل حدب وصوب لأداء فريضة الحج وبما يتبعها من شعائر بكيفية خاصة، بل هو أكبر تجمع إنساني عالمي على الإطلاق تذوب كل الفروق بين البشر فلا لون ولا جنس ولا عرق ولا طائفة تفرق بين الناس.. فيتجرد الكل من مظاهر الدنيا وزينتها إلى لباس أشبه بالكفن يذكره بالموت والآخرة.

وقد دأبت حكومة المملكة العربية السعودية ومنذ عهد الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - على استغلال هذا الموسم العظيم لتحقيق التبادل الفكري والمعرفي والعلمي والثقافي… بين المسلمين امتثالا للآية الكريمة: «.. ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات…» (الحج الآية 28). وهي تهدف بذلك إلى تعميق انتماء المسلمين لهذا الدين القويم وترسيخ عقائده وأخلاقه وقيمه الخالدة بعيدا عن التقاليد الجاهلية والعصبية الفكرية والسياسية.. وهناك الكثير من تلك الجهود توليها الدولة اهتمامها ومنها ما يلي:

* إقامة (مؤتمر مكة الأول) حيث دعت إليه علماء الإسلام والمفكرين والمثقفين من كافة الأقطار الإسلامية في عام 1345 وقد كان يهدف إلى جمع كلمة المسلمين وتضامنهم ووحدتهم وأنشأت رابطة العالم الإسلامي - آنذاك- وهي تشرف حتى الآن على هذا المؤتمر.. حيث أقيم المؤتمر الثاني عام 1422هـ ثم توالت المؤتمرات في كل عام فتناقش قضايا المسلمين حسب مستجدات العصر والتحديات الراهنة... وقد كان عنوان مؤتمر هذا العام (الشباب المسلم والإعلام الجديد) من 3-4 /12/ 1436هـ برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان - حفظه الله - وافتتحه صاحب السمو الملكي خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة حيث ركز المشاركون في أبحاثهم ومناقشاتهم على قضايا الشباب والتحديات التي تواجههم في الإعلام الجديد، وتوصلهم إلى أهمية إعداد الشباب وتسليحه بالفكر الوسطي المتزن من قبل الدعاة والمربين والموجهين وبذل الكثير من الجهود في تحصين الشباب من الأخطار المحدقة بهم نتيجة للانفتاح الإعلامي العالمي.. مع أهمية تدريبهم على الرد على الشبهات التي تحاك ضد الإسلام وتوصيل رسائل إيجابية للعالم عن هذا الدين العظيم.

* كما تقوم وزارة الحج بجهود كبيرة في تنظيم (الندوة الكبرى للحج) والتي تقام سنويا ومنذ عام 1390هـ وحتى عامنا هذا.. ويشارك فيها نخبة من العلماء والمفكرين والباحثين من مختلف أنحاء العالم الإسلامي. وقد كان عنوان الندوة لهذا العام (ثقافة الحج مطلب شرعي) من 4-6 /12/ 1436هـ حيث ركز المشاركون في أوراق العمل والبحوث على ترسيخ تعظيم شعائر الحج عند المسلمين، والنأي عن أن تكون ميدانا للأغراض الشخصية والتظاهر والصراعات السياسية المذهبية والحزبية، وكذلك التوعية باحترام الأنظمة المتعلقة بالحج، والربط بين أداء شعائر الحج وتعظيمها وبين السلوك الحضاري المتوازن، وكذلك إبراز جهود الدولة السعودية في رعاية المشاعر المقدسة وتوفير كل ما يحقق أداء الحجاج لشعائرهم بيسر وسهولة وأمان.

* بل إن وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد تقوم بجهود مكثفة لتوعية حجاج بيت الله الحرام وهي خطوات فاعلة في نشر المفاهيم الصحيحة للإسلام والعبادات والفرائض، وذلك عبر قنوات تواصلية حديثة مثل: الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، وتوزيع البرشورات والكتيبات وبلغات الحجاج.. بل إنها وضعت هاتفا مجانيا على مدار الساعة للتوعية والإرشاد للحجاج وبثماني لغات والإجابة على استفساراتهم وأسئلتهم.

* كما يضاف إلى ذلك حملة: (الحج عبادة وسلوك حضاري) والتي أطلقها قبل عدة سنوات صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل.. للتوعية في الحج وتطبيق قيم الإسلام وأخلاقه في عدم إيذاء الآخرين بالحج بدون تصريح، وعدم التضييق على الآخرين الذين لديهم تصريح... مما كان لها الأثر الأكبر في نجاح خطط الحج.

* بل لا ننسى ما تقوم به مؤسسات الطوافة ومكاتب الخدمة الميدانية من جهود كبيرة في توعية حجاجها بإقامة اللقاءات والندوات والمحاضرات وتوزيع الكتيبات والنشرات التوعوية باتباع الأنظمة والتعليمات في النفرة والتفويج للجمرات والتفويج لمكة المكرمة.. وغيرها.

* وموسم حج هذا العام يعتبر عاما مفعما بالثقافة والعلم الشرعي والتوعية الدينية حيث كانت هناك ثلاث خطب متوالية: يوم الأربعاء 9 ذي الحجة (خطبة عرفة)، والخميس 10 ذي الحجة (خطبة العيد)، والجمعة 11 (خطبة الجمعة) وهي خطب جامعة وشاملة لأمور الدنيا والآخرة تقدم من خيرة أئمة وعلماء هذا البلد.

وبهذه الجهود المتضافرة نرى أن موسم الحج قد أضحى محفلا إسلاميا استثنائيا لتجديد صلة المسلمين بدينهم وترجمة شعائره وتعاليمه وأخلاقه إلى واقع عملي يظهر للعالم عظمة هذا الدين.. ولكن للأسف فإن ما حدث من بعض الحجاج في صباح يوم الخميس 10/12/1436هـ بعدم الالتزام بالتعليمات ودخولهم في مسارات غير مخصصة لهم وفي أوقات ليست من حقهم المرور فيها بالإضافة - حتما - إلى عوامل أخرى… لم تكشف التحقيقات خلفياتها بعد - مما أدى إلى حدوث تدافع وموتى.. نحسبهم شهداء عند الله تعالى.. ولكن العالم كله يرقب عن كثب كل ما نقوم به ويسجل كل شاردة وواردة.. وكان من الأولى أن نظهر بالصورة المشرقة للإسلام وحضارته وقيمه وننأى عن أي خلافات سياسية أو فكرية أو مذهبية لنكون على المستوى الحضاري والأخلاقي الذي يوازي المستوى الحضاري البنائي والإنجازات للمشاريع العملاقة التي تقوم بها الحكومة السعودية بتوجيهات مباشرة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - ولنكن كما وصفنا القرآن بقوله: «كنتم خير أمة أخرجت للناس».