عبدالله العولقي

تدويل الحرمين بين المؤامرة والانحطاط

الثلاثاء - 20 فبراير 2018

Tue - 20 Feb 2018

دعوة تنظيم الحمدين إلى تدويل الحرمين، وإثارة القضية البائسة بتكرار سذاجة هذه الأسطوانة المشروخة في وسائل إعلام الظل المرتبطة بها لهما دلالة على مدى التناغم العجيب وتقاطع المصالح المتوازية مع أجندة نظام الملالي في طهران، والتي تدل على جمود العقم في التفكير السياسي والعجز الفعلي عن قراءة الواقع الإسلامي، وتنم عن مدى درجة العدائية التي يحملانها تجاه قضايا الأمة الإسلامية عامة لصالح مآربهما الذاتية وأطماعهما التوسعية في المنطقة.

ولو تحدثنا عن تقاطع المصلحة بين طهران والدوحة في إثارة قضية التدويل لوجدنا أن كلتيهما يريد صرف أنظار الشعب وإلهاءه عن التخبطات الاقتصادية والعزلة السياسية التي أوقعتا نفسيهما فيها، فالملالي يعاني من احتجاجات شعبية متفاقمة تتمركز تحت بركان ثوري لم يخمد لهيبه حتى الآن، ونظام الحمدين يعاني من احتقان شعبي ضد تبديده ثروات ومقدرات الوطن بتمويله واحتضانه لقضايا الإرهاب في كل أصقاع الأرض، وإقحام شعبه في عداوات مصطنعة مع أشقائه وجيرانه، ومن هنا تقاطعت الأسباب وتوحدت الأهداف بين النظامين البائسين.

إن قضية تدويل الحرمين حلم يداول أوهام الصفوية الحاقدة، وأحلام الصوفية القبورية، وكلتاهما تتمنهجان على عقيدة الشرك وإيمانية الخرافة واعتقاد الضلالة، وكلها دعوات مخزية تريد إعادة السلوك الشركي إلى عقيدة الإسلام والمسلمين بعد أن قضى عليها الحكم السعودي المبارك، عندما ناصر ملوكه وأئمته عقيدة أهل السنة وأعادوا أوضاع الحرمين الشريفين إلى ما كانت عليه زمن النبوة والخلافة الراشدة.

إننا لم نسمع في الديانة المسيحية أي مطالبة بتدويل الفاتيكان، أو لدى الرافضة بتدويل النجف، وهذا يدل على منهجية هؤلاء المسيسة بالعداء تجاه المملكة، أليس من العار عليهم أن يطالبوا بتدويل الحرمين وهما تحت قيادة إسلامية رشيدة أثبتت كفاءتها القوية وإدارتها الناجحة في إدارة الحج وحشود المسلمين بمليونياتهم السنوية، وتفويج تجمعاتهم بأنماط إبداعية أدهشت كل المراقبين، وذلك نتيجة طبيعية استلهمت خبراتها التراكمية الزمنية منذ عقود بينما يغضون طرفهم صمتا عجيبا عن المسجد الأقصى المبارك وهو تحت براثن إدارة الاحتلال الصهيوني.

إن المسلم الحصيف يعي ويدرك مخاطر هذه البلبلة الإعلامية المكشوفة بالإفلاس السياسي والسقوط الأخلاقي، ويعدها تعديا على قبلة المسلمين ومساسا بقداسة مسجد نبي الهدى صلى الله عليه وسلم، بل يعتبر إثارة نعيقها في هذا الوقت الذي تعاني فيه الأمة واقعا مأزوما وحرجا هو خيانة للأمة الإسلامية وتعديا على مصالح المسلمين لأنها سبيل واضح إلى إثارة الفتنة وإضفاء المزيد من التمزق في النسيج الاجتماعي للأمة، وتزيد جروح التفرقة على خارطة الوحدة الإسلامية.

لا يخفى على غير المسلم فضلا عن المسلم تسخير المملكة لذاتها وقياداتها وشعبها ومقدرات الدولة لخدمة ضيوف الرحمن من استنفار كامل لكافة طاقات الأجهزة الحكومية والوزارات، بل ويكفيها فخرا تخصيصها وزارة كاملة وبميزانية مخصصة للعناية بكافة شؤون الحج ورعاية ضيوف الرحمن، ولعل اللقب الرسمي لقائد هذه البلاد المباركة بخادم الحرمين الشريفين وتشرفه به في خطاباته الرسمية يدحض كافة الدعاوى المستندة على الحقد الدفين والغيرة المتأججة من نجاحات المملكة وتبوؤها مكانتها السامية في قلوب المسلمين.

لقد اصطادت كاميرات التلفزة الإعلامية جنود الحج السعوديين وهم يحملون كبار السن من الحجاج على ظهورهم بعد أن عجزت أقدامهم عن السير بغض النظر عن أعراقهم أو طوائفهم، كما رصدت أعين وسائل الإعلام ذات الجنود وهم يرشون رذاذ الماء على رؤوس الحجيج تخفيفا لهم من أشعة الشمس، وتناقل الحجيج أخبار التضحيات التي قدمها الجنود في سبيل إنقاذهم للمرضى أو حالات الإغماء.. إلخ، فعن أي تدويل يتحدث هؤلاء السفهاء؟!

إن أروع ما قدمته المملكة كترجمة لواقع الجهود العملاقة التي تبذلها أنها اختارت الحاج إلى بيت الله أو المعتمر ليكون هو الواجهة الإعلامية والناطقة لما تبذله من خدمات سامية تتسم بالمجانية والخيرية، وما تقدمه من تسهيل وتيسير على قاصدي الحرمين الشريفين، فماذا ستصنع آلتهم الإعلامية المضللة وفبركاتها المفضوحة أمام مليار مسلم يشيدون بعملقة الجهود ورقي الخدمات وفخامة الأداء وروعة التفويج، وروعة الإدارة وحسن الضيافة والاستقبال؟!